المواقع العربية المسيطرة على الخطوط التجارية البرية, وبخاصة الخط الذي يخترق شبه الجزيرة العربية من الشمال إلى الجنوب, نجد نابونائيد "نابونيدوس nabonidus عند الكتاب الكلاسيكيين" يتجه بأنظاره إلى الغرب ويقرر نقل مقر إمبراطوريته إلى واحة تيماء التي تشكل موقعا حيويا على الطريق التجاري الذي يصل شمالي شبه الجزيرة بجنوبها. وكان ذلك في السنة السابعة من حكمه أي: في ٥٤٩ ق. م. وأقام بها نحو عشر سنوات قبل أن يعود إلى بابل في ٥٣٩ ق. م. وهي السنة التي سقطت فيها بابل في أيدي الفرس الأخمينيين.
وقد كان انتقال الملك البابلي إلى قلب شبه الجزيرة دون شك أمرًا جديدًا لم يكن في حسبان القبائل العربية التي اعتادت أن تتعامل مع ملوك من وادي الرافدين, إما يأتون إليها في حملات ينتهي أثرها في كثير من الأحيان بعودة هؤلاء الملوك إلى عاصمة دولتهم، أو يقضون فترات بعيدينَ عن هذه القبائل إذا ما شغلهم إقرار الأمور في داخل وادي الرافدين، وبخاصة في أوقات الاضطراب والثورات، عن الالتفات بشكل حاسم إلى محاولات العرب للسيطرة على المواقع المهمة على الخطوط التجارية مما أغراهم في بعض المناسبات بنقض عهودهم مع الملوك الآشوريين أو حتى بمحاولة الاعتداء على حدود الدولة الآشورية كما مر بنا. وهكذا حين انتقال نابونائيد للإقامة في تيماء نجد موقف العرب يبدو واضحًا في جهتين محددتين، سواء إزاء اتخاذه لهذه المدينة مقرًّا له, أو إزاء إخضاعه لعدد آخر من المدن الواقعة على الخط التجاري الشمالي الجنوبي بعد ذلك. فمن جهة نجد بعض قبائل العرب تتصدى له مباشرة وهو موقف يتضح لنا من أحد النقوش التي نجد فيها هذا الملك يقدم على قتل أمير تيماء وعلى ذبح قطعان الماشية التي يمتلكها سكان المدينة وضواحيها، ومن نقش آخر، رغم تلف بعض سطوره، نفهم أن سكان بعض المناطق العربية تعرضوا للملك وحاولوا أن ينهبوا ممتلكاته ولكنه نجح في القضاء على بعضهم وتشتيت البعض الآخر مما اضطرهم للخضوع له, ومن الجهة الأخرى يبدو أن