للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للسيطرة على عدد من المواقع الحيوية على الطريق التجارية الرئيسة التي كانت تربط بين جنوبي شبه الجزيرة العربية وشماليها، وأهم هذه القبائل هم الأنباط الذين نجحوا في الاستقرار في المنطقة المحيطة بالبتراء "جبل سعير" بعد أن زحزحوا القبائل الأيدومية من هذه المنطقة ودفعوا بهم نحو الشمال. وهكذا استطاع الأنباط "الذين رأيناهم يشتركون مع أبي ياتع في الهجوم على حدود الدولة الآشورية في عهد بانيبال" في أن يسيطروا من موقعهم الجديد ومن عاصمتهم التي تحصنها التكوينات الحجرية من ثلاث جهات، على عقدة رئيسة تتحكم في الطرف الشمالي من الخط التجاري المذكور. أما السبب الثاني فهو أن الميديين "الذين اشتركوا في إسقاط الدولة الآشورية" ما لبثوا أن ركزوا أنفسهم في القسم الشمالي الغربي من إيران، وأبعدوا بذلك الدولة البابلية الحديثة عن الطرق التجارية الآتية من شرق وشمال إيران، وهي الطرق التي كانت تجد طريقها قبل ذلك نحو الغرب إلى وادي الرافدين في عهد الآشوريين؛ وهكذا منع الميديون عن الدولة الجديدة في وادي الرافدين موردا اقتصاديا لا يمكن إغفاله أو الإقلال من أهميته١٧.

ويبدو أن هذا التدهور الاقتصادي استمر تدريجيًّا وبشكل منتظم حتى بلغ أقصاه في الشطر الأخير من عهد الدولة البابلية الحديثة، إذ تشير أسعار المواد في العقدين الأخيرين اللذينِ سبقا سقوط بابل أمام الزحف الفارسي "في ٥٣٩ ق. م." إلى ارتفاعها إلى الضعف, ولنا أن نتصور ما يمكن أن يتركه هذا التضاعف على الواقع المعيشي والاقتصادي في المنطقة١٨.

وأمام هذا التدهور من جهة، والازدهار الاقتصادي من جهة أخرى في


١٧ عن استقرار الأنباط في البتراء راجع، hitti: ذاته، الصفحة ذاتها. عن الميديين، رضا جواد الهاشمي: ذاته، ص٦٦٠.
١٨ "london ١٩٦٢" saggs: the greatness that was babylon، ص١٤٨.

<<  <   >  >>