للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النفوذ الفارسي لشيء غير قليل من التخلخل, إذ يذكر المؤرخ اليوناني أن الإمبراطور الفارسي دارا "٥٢١-٤٨٩ق. م." أخضع كل آسيا، ما عدا العرب "الذين لم يقدموا له طاعة العبودية" ولكنه كان مرتبطًا معهم برباط الصداقة حيث أمَّنوا لقمبيز "إمبراطور فارس من ٥٢٩-٥٢١ ق. م." الطريق إلى مصر "التي ما كان ليستطيعَ دخولها لولا موافقة -يقصد حسن نية- العرب" ويؤكد هذا القول في مواضع أخرى يذكر فيها أن العرب ساعدوا قمبيز عندما أراد احتلال مصر بأن أمنوا له الطرق وزودوه بالماء وتبادلوا معه العهود٢٣. وهكذا تكون العلاقة بين الفرس والعرب في هذه الفترة علاقة من نوع خاص، فالعرب في المنطقة القريبة من مصر هم الذين يسيطرون على مسالك الطرق الصحراوية المؤدية من المنطقة السورية "بالمفهوم الجغرافي" إلى مصر؛ ومن ثم فلا يمكن السيطرة عليهم سيطرة كاملة بالطرق التنظيمية التقليدية, ولكن الفرس في الوقت ذاته محتاجون إلى خدماتهم في تأمين الطرق أمام القوات الفارسية وإرشاد هذه القوات وتزويدها بالمياه على الطريق. وهكذا يتحول مفهوم العلاقة بين الفرس والعرب إلى خدمات متبادلة وعهود متبادلة، ويشير هيرودوتس في صراحة محددة إلى أن العرب حافظوا على عهودهم مع الفرس٢٤.

غير أن المناطق العربية الواقعة في أقصى الشمال من شبه الجزيرة العربية لم تكن المناطق الوحيدة التي تعرض لها الفرس في شبه الجزيرة، ففي نص من عهد الإمبراطور الفارسي حشويرش "خشيارشاه الذي عرفه الكتاب اليونان باسم XERXES ٤٨٥-٤٦٥ ق. م." نجد هذا الإمبراطور يشير بشكل مباشر إلى امتداد حكمه على بلاد العرب, إذ يذكر بين قائمة الأماكن التي امتد حكمه إليها "ماكا والبلاد العربية" و "ماكا" هي دون شك ماكاي MAKAE التي يأتي ذكرها عند الكتاب الكلاسيكيين, كتسمية لقسم من الساحل الشرقي لشبه الجزيرة العربية "عُمَان الحالية",


٢٣ على التوالي، ذاته: iii,٨٨,٤,٧,٩.
٢٤ ذاته: iii,٧,٨.

<<  <   >  >>