الاتجاه الثاني الذي اختلفت فيه هذه المرحلة عن المرحلة الخارجية فلم يعد قاصرًا على القسم الشمالي لشبه الجزيرة العربية، وإنما أصبح ينتظم كل شبه الجزيرة، بما فيها قسمها الجنوبي, وبخاصة المنطقة الجنوبية الغربية منه حيث منطقة إنتاج الطيوب ونقطة الانطلاق في تجارتها وهمزة الوصل في خطوط المواصلات بين الشرق والغرب في العالم القديم.
ولعلنا نستطيع أن ندرك الأبعاد الحقيقية ولو بشكل جزئي لهذه المرحلة إذا رجعنا قليلًا إلى الوراء، ففي النصف الأول من القرن الخامس ق. م. بعد الصدام العسكري بين اليونان والإمبراطورية الفارسية "٤٩٠ و٤٨٠ ق. م." وهو أول صدام كبير بين اليونان والعالم الخارجي بدأ اليونان يظهرون قدرا متزايدا من الاهتمام بشئون العالم الشرقي الذي وصلت صورته إلى عقر دارهم في أثناء هذه الحروب التي دارت معاركها على الأراضي اليونانية أو في المياه اليونانية التي تفصل بين بلاد اليونان وبين الساحل الغربي لشبه جزيرة آسيا الصغرى حيث يوجد آخر امتداد غربي لولايات الإمبراطورية الفارسية, وكان أحد مظاهر الاهتمام هو التحقيقات التاريخية historiae التي شكلت كتابات المؤرخ اليوناني هيرودوتس في أواسط القرن الخامس ق. م. التي ظهر الحديث فيها عن شئون شبه الجزيرة العربية بشكل واضح، وهي كتابات أعقبتها احتكاكات أخرى سياسية وعسكرية بين اليونان والفرس وكتابات أخرى لرحالة مؤرخين وعلماء يونانيين بدأت فيها الكتابات عن شئون شبه الجزيرة تنتقل من دائرة المعلومات الموسوعية العامة إلى دائرة الحديث المتخصص وبخاصة عن الموارد الاقتصادية لهذه المنطقة، وأهمها، بطبيعة الحال، هو الطيوب.
ثم جاء الشطر الأخير من القرن الرابع ق. م. بتطور جديد وحاسم في
٢٦ راجع لطفي عبد الوهاب يحيى: الجزيرة العربية في المصادر الكلاسيكية، صفحات ٢-٣.