إمبراطورية, قد بدأت تفصل في أمور المناطق المتاخمة لسواحل البحر المتوسط في الشرق وفي الغرب. وقد اتجهت الإمبراطورية الرومانية بأنظارها إلى شبه الجزيرة العربية لسببين رئيسيين: أولهما هو الرخاء الكبير الذي كان يسود المجتمع الروماني آنذاك، وهو رخاء كان أحد مظاهره استهلاك غير عادي في حجمه من جانب المجتمع الروماني للطيوب والتوابل التي كان قسم منها يأتي من العربية الجنوبية، بينما يمر القسم الباقي الذي يأتي من مناطق أخرى بشواطئ العربية الجنوبية, ليصل عن الطرق البرية أو البحرية من هناك إلى أصحاب رءوس الأموال "أو طبقة الفرسان equites كما كانت تُدْعَى في روما آنذاك" التي كانت تسيطر على جوانب كثيرة من الاقتصاد الروماني، من بينها التجارة الخارجية التي كانت في أغلبها تجارة شرقية والتي كانت أغلى سلعها هي الطيوب والتوابل.
وإلى جانب ذلك فقد كانت هناك ظروف أخرى وجهت نظر روما إلى شبه الجزيرة العربية وموانئها, فبعد استيلاء روما على سورية وتحويلها إلى ولاية رومانية نجحت في ٣٠ ق. م في غزو مصر وتحويلها بدورها إلى ولاية أخرى من ولاياتها، وهنا شعرت روما أنها بحاجه إلى تدعيم هذه الحدود الشرقية لإمبراطوريتها إزاءَ غارات المناطق الواقعة على الأطراف الغربية لشبه الجزيرة العربية، والتي كانت تهدد هذه الحدود الشرقية سواء في أرضها أو مواصلاتها. كذلك كانت هناك قوة شرقية كبيرة، وهي الدولة الفرثية "البارثية" في إيران، التي كانت في حالة صراع شبه دائم مع الرومان، استمر سجالًا ابتداء من القرن الأول ق. م. وقد تسبب هذا العداء في تهديد الفرثيين للطريق التجارية البرية الواقعة في أقصى الشمال من شبه الجزيرة العربية التي كانت تربط روما بالشرق الأقصى مرورًا بآسيا الصغرى، ومن هنا اتجه الرومان إلى معالجة هذا الوضع بطريقتين، إحداهما هي البحث عن وسيلة لتأمين هذا الخط البري الواقع في شمالي شبه الجزيرة بشكل أو بآخر,