للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحتى مع ذلك فإن مساحات الأراضي المقفرة التي أمكن استصلاحها ومد العمران إليها لا تشكل حتى الآن نسبة على قدر كبير من الضآلة إذا قورنت بمساحة الامتدادات التي لا تزال على إقفارها في هذه البلاد.

وأخيرا، وليس آخرا، فإن استشهاد الباحث بما حدث في حالة اليمن في القرن السادس الميلادي هو استشهاد محدود زمنًا ومكانًا؛ فشبه الجزيرة العربية، وإن كانت تخضع في عمومها لظروف جغرافية واحدة، فإن أقسامها المختلفة تختلف فيما بينها في حظ كل منها من هذه الظروف، سواء في ذلك عامل الجفاف الذي لم يكن متماثلا في كل أقسام شبه الجزيرة, وإنما كان يقسو أحيانا قسوة بالغة يظهر أثرها واضحا في حياة الارتحال والتفكك, وتخف قسوته أحيانا فتحظى بعض المناطق بأنصبة متفاوتة من الماء والخصوبة, أو عامل الموقع الذي يتأثر بالضرورة بطرق المواصلات والخطوط التجارية، كما يتأثر بالقوى والعلاقات الدولية المحيطة به في فترة أو في أخرى من فترات الحركة التاريخية النشطة غالبا المتراخية في بعض الأحيان، بين القوى الشرقية والغربية المتصارعة والتي ظهر صراعها بشكل خاص في المنطقة التي تشغل نقطة الوسط بين هذه القوى، وهي منطقة الشرق الأوسط، وشبه الجزيرة العربية. وقد كانت نتيجة كل ذلك اختلافًا في طبيعة القوام السياسي بين منطقة ومنطقة، ابتداءً بالقوام القبلي ومرورًا بالتجمعات أو الأحلاف القبلية وبالإمارات وانتهاءً بالقوام الناضج للدولة في بعض المناطق -وهو وضع طبع شبه الجزيرة العربية في عصور ما قبل الإسلام بطابعها المميز الذي تجاورت وتناوبت فيه الحضارة باستقرارها وثروتها وعمرانها وثقافتها وأديانها السماوية، مع البداوة بترحالها وفقرها وقفرها وتخلفها ووثنيتها البدائية.

<<  <   >  >>