التي قد تدعو إلى هجرات صغيرة غير منتظمة. على أني أجد في رأيه عددًا من نقاط الضعف أود أن أرد عليها في إيجاز, وأول هذه النقاط هي أن تجاهل نظرية كسبب أساسي للإقفار اعتمادا على أن البحوث الجيولوجية التي تمت في شبه الجزيرة العربية محدودة سواء في عددها أو في عدد المناطق التي أجريت فيها ليس كافيًا لتجاهل العلاقة بين الجفاف والإقفار كسبب ونتيجة مترابطين ترابطا وثيقا. ودليلنا على هذا هو أن المنطقة المقفرة لا تقتصر على شبه الجزيرة وحدها بحيث يمكن أن نرد الإقفار إلى إهمال الحكومات فحسب، فشبه الجزيرة العربية تشكل جزءا واحدا من امتداد صحراوي مقفر كبير يمتد من الشواطئ الغربية الإفريقية المطلة على المحيط الأطلسي غربا إلى نهر الإندوس في الهند شرقا لا يخفف من حدته إلا منطقتان كانت الأنهار الكبيرة فيهما قد نحتت مجراها واستقرت عليه قبل حلول عصر الجفاف, وهما وادي النيل في مصر ووادي دجلة والفرات في العراق. ونحن لا نستطيع أن ندعي أن كل هذا الامتداد الصحراوي "الذي يضم إلى جانب شبه الجزيرة العربية، الصحراء الغربية إلى غربي النيل والصحراء الشرقية -وتسمى أحيانا صحراء العرب- إلى شرقي هذا النهر، ثم هضبة إيران" قد جاء إقفاره نتيجة لضعف الحكومات وانصرافها عن الاهتمام بالموارد الحيوية للبلاد, فقد كانت بعض هذه الصحاري ضمن حدود دول شهدت فترات من القوة والوحدة والتماسك والازدهار مثل مصر وفارس. ومع ذلك بقيت الامتدادات الصحراوية والمقفرة كما هي دون أن تمتد إليها الخصوبة.
أما الاستشهاد بأن يد الإنسان قد تمكنت بعد القرن التاسع عشر من انتزاع مساحات من الأرض المقفرة الصحراوية في البلاد العربية وإدخالها في دائرة الخصوبة والزراعة والعمران فردنا عليه هو أن إمكانات العلم الحديث قد أتاحت لإنسان القرن العشرين قدرًا من السيطرة على الطبيعة لم يكن متاحا له في العصور القديمة, سواء في تعمير الأراضي المقفرة أو في غيرها من المجالات.