المنشآت. وأخيرا فإن الباحث يحاول تدعيم نظريته هذه التي ترد زحف الإقفار على الأراضي الخصبة نتيجة لتدهور الحكومات وانصرافها عن شئون العمران وليس إلى عوامل الجفاف الطبيعي بأمثلة من لتقدم الذي حدث في عدد من البلاد العربية بعد القرن التاسع عشر والذي كانت نتيجته إنشاء عدد من المدن في مناطق صحراوية واسترجاع قدر كبير من الأراضي المقفرة وتحويلها إلى أراضي مزروعة عن طريق حفر الآبار وشق القنوات وتعمير القرى.
وينتهي هذا الباحث من أدلته إلى أن فكرة الهجرات الدورية الكبيرة من شبه جزيرة العرب ليس لها ما يبررها, فليس هناك من يثبت مثلا أن العبرانيين أو الهكسوس قد جاءوا من شبه الجزيرة، كما أن الحديث عن أن قبائل يمنية هاجرت إلى تخوم الشام والعراق وأسست هناك إمارتي الغساسنة والمناذرة قول لا تؤيده المصادر الكلاسيكية "اليونانية واللاتينية" أو السريانية التي تشير بوضوح إلى أن هذه التخوم كانت مناطق عامرة بالسكان تعيش على الموارد التجارية نتيجة لمرور خطوط القوافل بهذه المنطقة، وأن الحكومتين اللتين قامتا هناك أسسهما زعماء أو رؤساء قبائل من المنطقة ذاتها دون أن نضطر إلى افتراض يخرج بنا عن حدودها, كذلك فهو يرى أن الفتوح الإسلامية لم تشكل هجرة كبيرة بالمعنى المتعارف عليه انطلقت من شبه الجزيرة. وفي رأيه أن القوات التي فتحت العراق والمنطقة السورية لم تقتصر على القبائل الحجازية أو النجدية، وإنما أسهمت فيها قبائل من نصارى العراق وسورية رأوا أن المقاتلين المسلمين من بني جلدتهم, فانحازوا إليهم رغم اختلاف الدين ضد الفرس والبيزنطيين.
وفي رأي هذا الباحث عدد من نقاط القوة دون شك, وبخاصة فيما يتعلق باعتراضه على فكرة الهجرات الدورية الكبيرة, وفي ذكره لعامل القلاقل المحلية