ومن هذا المنطلق التاريخي يرى هذا الباحث أن تحول الأرض الخصبة إلى صحارٍ مقفرة جاء نتيجة لعامل آخر هو تدهور سلطة الحكومات التي كانت موجودة في شبه الجزيرة، الأمر الذي أدى إلى تخلخل الأوضاع في الداخل وخروج الزعماء المحليين ورؤساء القبائل عن طوع هذه الحكومات، وهذا بدوره أدى إلى انتشار النزاعات القبلية والتفكك والتفتت الذي يغري بالغزو الخارجي بما يستتبعه هذا من قمع وثورات واضطهادات تؤدي إلى مزيد من تدهور الأمور. وقد ترتب على هذا التدهور انعدام الاستقرار من جهة والانصراف عن العناية بموارد البلاد من جهة أخرى بكل ما يعنيه هذا من تقلص الرقعة المزروعة وتضاؤل وإهمال المدن والمنشآت الحيوية وتضاؤل النشاط التجاري الذي يؤدي بالضرورة إلى تحول الطرق التجارية. والنتيجة الطبيعية لكل هذا هي هجرة مجموعات من سكان البلاد إلى أماكن أخرى أكثر أمنا واستقرارا، ومن ثم أكثر ملاءمةً لحياة يجدون فيها من أسباب الحياة ما بدءوا يفتقدونه في مناطقهم الأولى -وإن كان الباحث يسارع فينفي عن هذا النوع من الهجرة الصفة الدورية شبه المنتظمة التي يتبناها أصحاب الرأي الذي انبرى للرد عليه.
والباحث يقدم دليلا على هذا ما حدث في اليمن حين ضعفت الحكومة المركزية وبرزت سلطة الزعماء المحليين من الأقيال والأذواء وتفاقم ما بينهم من شقاق ونزاع؛ فوقعت البلاد فريسة للتدخل الخارجي سواء من جانب الفرس أو من جانب الحبشة في النصف الأخير من القرن السادس الميلادي. ويستطرد الباحث ليذكر أن تصدع سد مأرب في تلك الفترة كان نتيجة مباشرة لضغط الماء على جوانبه ضغطًا أدى إلى انهياره، ومن ثم إلى حرمان منطقة واسعة من الأرض الزراعية من المياه التي كانت تعتمد عليها في ريها، ومن ثم إلى هجرة القبائل التي كانت تقطن هذه المنطقة وتعتمد على زراعتها كمورد حيوي لها. وواضح أن تصدع جدران السد هو نتيجة مباشرة لإهمال الحكومة القائمة في ذلك الوقت للمنشآت الحيوية للبلاد, وسد مأرب هو من أبرز هذه