للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المثال. وفي الحقيقة إن افتراض هجرة آمورية إلى وادي الرافدين وهجرة آرامية إلى سورية من هذه المنطقة يبدو افتراضًا واردًا. ولكن مع ذلك فإن هذا الافتراض، إذا ثبتت صحته، لا يفسر إلا هجرتين اثنتين تمثلان شعبين اثنين من الشعوب المتكلمة باللغات السامية, وتبقى بقية الحالات المتصلة ببقية هذه الشعوب دون تفسير مقنع.

هذه، بإيجاز، هي آراء الباحثين الذين يرون أن شبه الجزيرة العربية هي موطن الساميين، وأعود فأذكِّر بأساس افتراضهم، وهو أن شبه الجزيرة كانت قبل الألف العاشرة ق. م. منطقة خضراء مأهولة بالسكان، ولكن ظروف الجفاف التي حلت بها دفعت بها نحو الإقفار التدريجي، ومن ثم فقد أخذت مواردها في النضوب مما دفع بسكانها إلى الانطلاق في هيئة هجرات متعاقبة إلى المناطق المتاخمة لها سعيا وراء موارد جديدة. ولكن أحد الباحثين البارزين الذين عكفوا على دراسة تاريخ شبه الجزيرة وأحوالها تصدى لهذا الافتراض بشقيه، سواء في ذلك الشق الذي يرد إقفار شبه الجزيرة إلى عوامل الجفاف الطبيعي, أو الشق الذي يفترض هجرات كبيرة انطلقت من شبه الجزيرة لتنتهي إلى تكوين الشعوب السامية الحالية. ويرى هذا الباحث أن إقفار الجزيرة لا يعود إلى عامل الجفاف فالبحوث الجيولوجية التي تتصل بهذا الموضوع لم تتم إلا في عدد محدود من أقسام شبه الجزيرة العربية, لا يكفي لأن يسري حكما على المنطقة بأكملها؛ ومن ثم فهو يستبعد الاعتماد على هذه البحوث الجيولوجية, ويقتصر على الدلائل التاريخية في التوصل إلى رأي في القضية٣٠.


٣٠ "new york, ١٩٢٨" alois musil: negd، صفحات ٣٠٤ - ٣١٩. راجع كذلك ردا على رأي هذا الباحث يؤكد تحولا في مناخ جنوبي شبه الجزيرة نحو الجفاف ابتداء من القرن الثالث الميلادي دفع سكان اليمن إلى الهجرة نحو الشمال، اعتمادا على أدلة أثرية وتاريخية وأدلة من القصص الشعبية في: s. huzayyin: changement historique du
climat et du paysage de l' arabie du sud "bulletin of the faculty Of Arts, university of egypt" المجلد الثالث، الجزء الأول، "القاهرة ١٩٣٥"، صفحات ١٩ - ٢٣.

<<  <   >  >>