ترك مناطقهم إلى مناطق أخرى أكثر خصبًا وبخاصة بعد ظهور الجمل في حياة الشعوب السامية, وإن كنت أبادل فأقول: إن تحديد هذه الهجرات وترتيبها في أزمان محددة واستقرارها في مناطق محددة هو أمر لا نملك أن ندعمه بشواهد تاريخية قاطعة حتى الآن.
وهكذا أصل إلى نهاية النقاش لأذكِّر بأن الحديث عن الشعوب السامية, ومن بينها العرب، ليس حديثا عن شعوب تنتمي إلى عنصر واحد وتنحدر من أصل واحد لهذا العنصر، وإنما هو حديث عن شعوب تتقارب لغاتها إلى حد واضح في عدد من الجوانب المهمة، من بينها جذور ألفاظها وطريقة تكوين هذه الألفاظ وتصريفها ومن بينها الأسماء الدالة على تكوين الأسرة وعلى التنظيمات السياسية والعلاقات الاجتماعية والمعتقدات الدينية -وكلها, كما هو ظاهر، تدور حول تكوين المجتمع وحركته، ومن ثم تدل على احتكاك مستمر بين هذه الشعوب. على أن هذا كله لا يدفعنا، وليس هناك مبرر علمي أو تاريخي لأن يدفعنا، إلى افتراض موطن أصلي لهذه الشعوب انطلقت منه في صورة هجرات دورية كبيرة منتظمة إلى بقية أرجاء المنطقة التي استقرت فيها بشكل نهائي، وإنما التصور الذي يتعارض مع المنطق والذي يتفادى كثيرا من النقد العلمي والتاريخي هو أن التشابه الذي نراه بين لغات هذه الشعوب حتى الآن هو نتيجة لتعامل مستمر اتخذ أشكالًا متعددة.
ومن بين أشكال هذا التعامل، التداخل البطيء الذي كان يتم بين المناطق البدوية والمناطق الزراعية التي تقع على تخومها في الفترة السابقة لظهور الجمل كدابة نقل تملك الإمكانات المناسبة للتنقلات البعيدة سواء من حيث الأحمال أو الاحتمال٣٦. ومن بينها احتمال هجرات كبيرة من حين لآخر
٣٦ عن تاريخ ظهور الجمل عند الساميين راجع: G.ROUX: المرجع ذاته، ص ١٣٨. وعن مناقشة هذا التاريخ بتوسع راجع forbs: studies in ancient technology "leiden ١٩٩٥" صفحات ١٨٧-٢٠٣. عن الإمكانات التي يملكها الجمل للتنقلات البعيدة من حيث الأحمال والاحتمال راجع: حاشية ٢٢ من الباب الثالث من هذه الدراسة.