للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونحن نستطيع أن ندرك مدى استمرار الصلة بين هذه الشعوب "بغض النظر عن الصورة التي تتخذها هذه الصلة" ومن ثم استمرار التقارب بين لغاتها, إذا أضفنا إلى كل هذا أن المنطقة بأكملها كانت تقع بين القوات أو الإمبراطوريات الكبيرة؛ في الشرق حيث الفرس, وفي الغرب حيث الدول المتأغرقة التي قامت في بداية القرن الثالث على أنقاض إمبراطورية الإسكندر الأكبر، ثم الإمبراطورية الرومانية ثم الإمبراطورية البيزنطية, وأن هذه الإمبراطوريات كانت في صراع شبه دائم إن لم يكن دائما فعلا في علاقاتها، وأن هذا الصراع كان يمتد في بعض الأحيان لكي يدخل فيه طرف ثالث مثل دولة الحبشة "وبخاصة في فترة الصراع بين البيزنطيين والفرس". وفي خلال كل هذا كان سكان المنطقة ينشطون بأشكال وصور مختلفة حسب نوعية الظروف التي تبرز من مرحلة إلى مرحلة، فتقوم لهم دول مستقلة مثل مملكة تدمر أو مملكة الأنباط أو إمارات تابعة أو شبه تابعة مثل إمارة المناذرة في الحيرة وإمارة الغساسنة في الشام، وتنشط الخطوط التجارية من حين لآخر إذا تمخضت كل هذه العلاقات أو بعضها عن ظروف مواتية، أو تنشط المواجهات العسكرية في ظروف أخرى، فيتم الاتصال سلاما أو عنفا, ولكنه في كلتا الحالين محافظ على استمرار التقارب بين لغات هذه الشعوب.

وأخيرا، وليس آخرا, فنحن نستطيع أن نضيف إلى كل ما سبق ذكره عاملين سبق أن أشرت إلى أحدهما بشكل جانبي, وأحد العاملين هو دون شك الاضطرابات التي كانت تحدث في بعض المناطق مثل اليمن لتصيب الاستقرار والموارد الاقتصادية فيهاجر بعض أبناء المنطقة إلى مناطق أخرى بحثًا عن الأمن والاستقرار وعن موارد جديدة. أما العامل الآخر الذي لا ينبغي أن نستبعده احتمالا، أو حتى ترجيحا, في ضوء ظروف الجفاف والقحط التي يمكن، إذا اشتدت وطأتها، أن تدفع بأعداد منظمة أو شبه منظمة من السكان إلى

<<  <   >  >>