من الشرق الأقصى والذي كانت تمر على شواطئه الخطوط البحرية من المحيط الهندي والموانئ اليمنية في الجنوب الغربي لشبه الجزيرة العربية, ومنها تنتقل بالطرق البرية إلى الساحل السوري في الشمال ومنه إلى الشواطئ المتعددة للبحر المتوسط، وهي طرق لم تندثر حتى بعد أن نشطت الحركة التجارية في البحر الأحمر.
هذه الحركة التجارية التي كانت تجعل أجزاء شبه الجزيرة العربية على اتصال دائم مع المناطق المتاخمة لها -كانت دون شك استمرارا موسعا لما كان يحدث في الفترة السابقة من تداخل بين مناطق البداوة والحضارة قبل أن يظهر الجمل في أفق الشعوب السامية. وقد كان هذا كله وسيلة لاتصال مستمر بين هذه الشعوب لا يجعل لغاتها تنفصل عن بعضها إلى نقطة اللا عودة أو حتى إلى نقطة الاختلاف الكبير -وهو اتصال لم تقتصر مقوماته على هذه التحركات السلمية، وإنما امتد ليشمل تحركات من نوع آخر كانت تتم بشكل توسعي، سياسي وعسكري، وكانت تتخذ عادة شكل حروب وغارات تقوم بها القوات الآشورية والبابلية الحديثة بشكل خاص على المناطق الواقعة إلى غربيها, وفي أثناء هذه التوسعات سواء أكانت مؤقتة أو طويلة الأجل كانت في حد ذاتها نوعا من استمرار الصلة، وإن تم بشكل عنيف، داخل دائرة هذه الشعوب٣٥. وشيء مثل هذا يمكن أن يقال بتفاصيل أخرى عن العلاقة بين جنوب غربي شبه الجزيرة ومنطقة الحبشة عبر مضيق باب المندب عند الطرف الجنوبي للبحر الأحمر وبخاصة في القرن السادس الميلادي.
٣٥ يوجد عرض وتحليل للنصوص المسمارية المتعلقة بهذه العلاقات التوسعية في رضا جواد الهاشمي: العرب في ضوء النصوص المسمارية، مجلة كلية الآداب، جامعة بغداد، عدد ٢٢، شباط ١٩٧٨، صفحات ٦٣٩ - ٦٦٦.