للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي ضوء هذه الظروف كان يحدث كثيرا أن تمد حكومات المناطق الزراعية سيطرتها في صورة أو في أخرى إلى القبائل البدوية ليستخدموهم كجنود مرتزقة أو مساعدة بشكل خاص كلما احتاجوا إليهم. ولكن الوضع قد ينعكس في أوقات الاضطرابات أو القلق السياسي فتشن القبائل البدوية بشكل فردي أو جماعي الغارات على المجتمعات الزراعية المستقرة وتنهب مدنها وتحتل مساحة صغيرة أو كبيرة من أراضيها تنتهي بالاستقرر فيها. وهكذا يأتي هذا الباحث إلى ختام تصوره التاريخي ليذكر أن استقرار البدو في المناطق الزراعية كان، على هذا النحو، تطورا بطيئا ويكاد يكون مستمرا مع فترات تدخل مسلح من حين لآخر. وهو في هذا كله لم يتم نتيجة لحركات "هجرات" كبيرة من قلب الصحراء إلى المناطق الزراعية، وإنما اتخذ شكل انتقال على مدى مكاني قصير أو متوسط في المناطق الحدية الواقعة بين الأراضي الزراعية حيث الاستقرار, والأراضي العشبية البدوية٣٤.

وهذا التصور وارد إلى حد كبير. ورغم اقتصار الباحث في حديثه على الفترة السابقة لظهور الجمل في حياة الشعوب السامية، إلا أنه بالإمكان أن يغطي، بشكل جانبي، الفترة التالية لظهور الجمل كدابة نقل تصلح للمسافات البعيدة. وفي الواقع فإن ظهور الجمل في حياة البدو من الممكن أن يزيد من حجم هذا الاتصال بين سكان المناطق الواقعة حول العيون والينابيع في قلب الصحراء وبين المناطق الخصبة المرزوعة. وقد يتم هذا عن طريق التعامل التجاري بين أطراف شبه الجزيرة العربية وهو أمر وجد فعلا فظهرت خطوط القوافل التجارية لتصل بين سكان شبه الجزيرة العربية والمناطق المتاخمة لها في وادي الرافدين والمنطقة السورية، وقد ساعد على هذا دون شك الموقع المتوسط لشبه الجزيرة الذي كانت تمر بشماله الخطوط التجارية البرية الآتية


٣٤ الكاتب ذاته: المرجع ذاته، ص ١٣٨.

<<  <   >  >>