للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حسب حظ مناطقهم من الماء ومن ثم من الخصوبة، في وادي الرافدين والساحل السوري ومنطقة اليمن والحبشة والواحات التي تحيط بالعيون والينابيع المتناثرة في المناطق الصحراوية الواسعة في شبه جزيرة العرب أو على تخومها الشمالية، أما سكان المناطق المقفرة فقد تراجعوا أمام زحف الصحراء إلى تخوم المناطق الخضراء المتبقية ليعيشوا حياة بدوية تقوم على الرعي, ومن ثم الارتحال حيثما تنمو الأعشاب من منطقة إلى منطقة, ومن موسم إلى موسم.

ويقدم لنا أحد الباحثين تصورا منطقيا وتاريخيا لما كان يمكن أن يجري في هذه المناطق الحدية الواقعة بين مناطق الخصوبة والاستقرار من جهة ومناطق البداوة والارتحال في الفترة السابقة لظهور الجمل في مناطق الشعوب السامية في غضون القرن الثاني عشر ق. م. حين كان الحمار لا يزال هو دابة النقل عند هذه الشعوب. وهو يذكر لنا في هذا المجال أن البدو كانوا على علاقة وثيقة ومستمرة مع المزارعين في المناطق الخصبة, فالمزارعون يشترون منهم بعض الأغنام ويزودونهم في مقابلها بالحبوب والتمر والأدوات والأسلحة والسلع الأخرى التي يحتاجون إليها في حياتهم اليومية, والصورة العامة لهذا التبادل هي أن أفرادا أو جماعات من الجانبين كانت تلتقي بشكل منتظم في القرى أو الأسواق الواقعة عادة خارج أسوار المدن، يتبادلون سلعهم ويتبادلون معها، دون شك، أحاديثهم وأفكارهم، وبعدها يعود البدو إلى مراعيهم التي ربما لم تبتعد عن هذه الأسواق والقرى إلا بضعة أميال، وفي بعض الأحيان فإن بعض الأفراد من البدو قد يتركون قبيلتهم لكي يعملوا في المدن إما كجنود مرتزقة أو كحرفيين أو كتجار. وفي أحيان أخرى فإن أسرة من البدو أو عشيرة أو قبيلة بكاملها قد تحصل على قطعة من الأرض داخل المنطقة المزروعة، إما يستولون عليها استيلاء أو يقدمها إليهم أصحاب الأراضي الزراعية أو حكوماتهم، وفيها يمارس البدو حياة الزراعة إلى جانب رعي الأغنام.

<<  <   >  >>