للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

برابطة العصبية التي كانت تتمثل في رابطة عرقية ذات انطباع عميق في تصور العرب، تصبح لدينا البذرة الأولى لفكرة التنسيب التي ظهرت في الكتابات العربية بعد الإسلام.

وقد وجد العرب أنفسهم بعد الإسلام أمام تحديات حضارية جديدة, فالفتوح الإسلامية وضعتهم وجها لوجه أمام حضارات قديمة مستقرة لا بد أنها دفعتهم أمام تأكيد هويتهم أمام هذه الحضارات وهو أمر نجد صداه فيما يذكره الكتاب العرب في العصر الإسلامي من صفات يتميز بها العرب عن غيرهم٤٥ -الأمر الذي نجده في شكل أوسع في أثناء ظهور الحركة الشعوبية في العصر العباسي حين أخذ الفرس يمجدون أصلهم ويتعالون به على العرب, فكان رد الفعل عند العرب أن قابلوا ذلك بتمجيد مماثل للأصل العربي وللصفات العربية. وفي مجال تأكيد الهوية يصبح تأصيل النسب أمرًا واردًا بالدرجة الأولى. أما عن إرجاع هذا النسب إلى سام بن نوح فهو يمثل عنصر الإسرائيليات التي بدأت تتسرب إلى الكتابات العربية آنذاك, وبخاصة إذا عرفنا أن عددا من الكتاب كانوا إما من أصل يهودي أو متأثرين بالكتابات والأخبار الإسرائيلية، مثل عبيد بن شريه الجرهمي ووهب بن منبه وأبي عبيدة معمر بن المثنى التميمي٤٦.

وهكذا تصبح الكتابات العربية التي ظهرت في العصر الإسلامي عن أنساب العرب وردها إلى سام بن نوح نتاجا طبيعيا للظروف التي أحاطت


٤٥ راجع، على سبيل المثال, الهمداني: صفة جزيرة العرب، ص٣، الذي يضفي على العرب عددا من الصفات المميزة لعرب شبه الجزيرة, سواء في طريقة نطقهم أو في صفاتهم الجسمانية أو في صفاتهم النفسية، أو في معاملاتهم مع غيرهم.
٤٦ عن الأصل اليهودي لأبي عبيدة التميمي راجع ابن النديم: الفهرست، ص٥٣. عن انتشار التأثيرات الإسرائيلية "على علاتها" عموما، راجع جواد علي: ذاته، ج١، صفحات ١٢١-١٢٢.

<<  <   >  >>