للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولكن ثم آفة تمنع كثيرًا من الناس، من النفقة المأمور بها، وهو الشح المجبولة عليه أكثر النفوس، فإنها تشح بالمال، وتحب وجوده، وتكره خروجه من اليد غاية الكراهة.

فمن وقاه الله شر شح نفسه بأن سمحت نفسه بالإنفاق النافع لها {فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} لأنهم أدركوا المطلوب، ونجوا من المرهوب، بل لعل ذلك شامل لكل ما أمر به العبد، ونهي عنه، فإنه إن كانت نفسه شحيحة، لا تنقاد لما أمرت به، ولا تخرج ما قِبلها، لم يفلح، بل خسر الدنيا والآخرة، وإن كانت نفسه نفسًا سمحة، مطمئنة، منشرحة لشرع الله، طالبة لمرضاة، فإنها ليس بينها وبين فعل ما كلفت به إلا العلم به، ووصول معرفته إليها، والبصيرة بأنه مرضٍ لله تعالى، وبذلك تفلح وتنجح وتفوز كل الفوز" (١).

وقال -صلى الله عليه وسلم-: «وَاتَّقُوا الشُّحَّ؛ فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ» الحديث (٢).

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «وَلَا يَجْتَمِعُ الشُّحُّ وَالْإِيمَانُ فِي قَلْبِ عَبْدٍ أَبَدًا» الحديث (٣).

ويقول -صلى الله عليه وسلم-: «وَإِيَّاكُمْ والشُّحَّ؛ فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، أَمَرَهُمْ بِالْقَطِيعَةِ فَقَطَعُوا، وَأَمَرَهُمْ بِالْبُخْلِ فَبَخِلُوا، وَأَمَرَهُمْ بِالْفُجُورِ فَفَجَرُوا» الحديث (٤).

وكان -صلى الله عليه وسلم- يتعوذ كثيرًا من مجموعة من الأخلاق السيئة منها البخل، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه-: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لِأَبِي طَلْحَةَ: «التَمِسْ غُلَامًا مِنْ غِلْمَانِكُمْ يَخْدُمُنِي حَتَّى أَخْرُجَ إِلَى خَيْبَرَ»، فَخَرَجَ بِي أَبُو طَلْحَةَ مُرْدِفِي وَأَنَا غُلَامٌ رَاهَقْتُ الحُلُمَ، فَكُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا نَزَلَ، فَكُنْتُ أَسْمَعُهُ


(١) تفسير السعدي (٨٦٨).
(٢) أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم (٤/ ١٩٩٦) ح (٢٥٧٨).
(٣) أخرجه أحمد (١٥/ ٤٣٣) ح (٩٦٩٣)، والنسائي (٦/ ١٣) ح (٣١١٠)، وابن حبان في صحيحه (٨/ ٤٣) ح (٣٢٥١)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (٢/ ١٢٦٢) ح (٧٦١٦)، وصححه بمجموع طرقه شعيب الأرناؤوط في تحقيقه للمسند ح (٩٦٩٣).
(٤) أخرجه أحمد (١١/ ٢٦) ح (٦٤٨٧)، وأبو داود (٢/ ١٣٣) ح (١٦٩٨)، وابن حبان في صحيحه (١١/ ٥٧٩) ح (٥١٧٦)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (٢/ ٧٠١) ح (٢٦٠٤)، وصحح إسناده شعيب الأرناؤوط في تحقيقه للمسند ح (٦٤٨٧).

<<  <   >  >>