للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله بعد أن ذكر تعريف الرياء: "ويدخل في ذلك من عمل العمل ليسْمَعَه الناس" (١).

ما يستثنى من السمعة:

ويستثنى من السمعة المحرمة ما يعمله الإنسان المقتدى به، فيظهر العمل ليقتدي به الناس، بشرط أن يحرص على سلامة نيته من مقصد السمعة المذمومة، وذلك بحبه لسماع ثناء الناس ومدحهم.

وقال ابن حجر رحمه الله: "وفي الحديث (٢) استحباب إخفاء العمل الصالح، لكن قد يستحب إظهاره ممن يقتدى به على إرادته الاقتداء به، ويقدر ذلك بقدر الحاجة، قال ابن عبد السلام: يستثنى من استحباب إخفاء العمل من يظهره ليقتدى به، أو لينتفع به ككتابة العلم (٣)، ومنه حديث سهل الماضي في الجمعة: «لِتَأْتَمُّوا بِي، وَلِتَعَلَّمُوا صَلَاتِي» (٤) قال الطبري: كان ابن عمر وابن مسعود وجماعة من السلف يتهجدون في مساجدهم ويتظاهرون بمحاسن أعمالهم ليقتدى بهم، قال: فمن كان إمامًا يستن بعمله عالمًا بما لله عليه قاهرًا لشيطانه استوى ما ظهر من عمله وما خفي؛ لصحة قصده، ومن كان بخلاف ذلك، فالإخفاء في حقه أفضل، وعلى ذلك جرى عمل السلف، فمن الأول حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال: سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلًا يقرأ ويرفع صوته بالذكر، فقال: "إِنَّهُ أَوَّابٌ" قال: فإذا هو المقداد بن الأسود أخرجه الطبري (٥).


(١) القول المفيد على كتاب التوحيد (٢/ ١٢٤).
(٢) يقصد ابن حجر رحمه الله حديث: «مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ يُرَائِي يُرَائِي اللَّهُ بِهِ».
(٣) لم أجده بهذا اللفظ فيما تيسر لي من كتب العز بن عبد السلام، ووجدت قريباً منه في كتابي: الفوائد ومقاصد الرعاية له رحمه الله.
ينظر: الفوائد في اختصار المقاصد (١٢٥ - ١٢٧)، مقاصد الرعاية لحقوق الله (٩٨) كلاهما للعز بن عبد السلام.
(٤) وهو في مسلم (١/ ٣٨٦) (٥٤٤).
(٥) لم أقف عليه فيما تيسر من مصادر، ولكني وجدت قريبًا منه في مسند أحمد (٣١/ ٣٠٦) ح (١٨٩٧١) ولفظه: عَنِ ابْنِ الْأَدْرَعِ قَالَ: كُنْتُ أَحْرُسُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَخَرَجَ لِبَعْضِ حَاجَتِهِ، قَالَ: فَرَآنِي، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَانْطَلَقْنَا، فَمَرَرْنَا عَلَى رَجُلٍ يُصَلِّي يَجْهَرُ بِالْقُرْآنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: «عَسَى أَنْ يَكُونَ مُرَائِيًا»، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، يُصَلِّي يَجْهَرُ بِالْقُرْآنِ، قَالَ: فَرَفَضَ يَدِي، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّكُمْ لَنْ تَنَالُوا هَذَا الْأَمْرَ بِالْمُغَالَبَةِ»، قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَأَنَا أَحْرُسُهُ لِبَعْضِ حَاجَتِهِ، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَمَرَرْنَا عَلَى رَجُلٍ يُصَلِّي بِالْقُرْآنِ، قَالَ: فَقُلْتُ: عَسَى أَنْ يَكُونَ مُرَائِيًا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: «كَلَّا إِنَّهُ أَوَّابٌ»، قَالَ: فَنَظَرْتُ، فَإِذَا هُوَ عَبْدُ اللهِ ذُو الْبِجَادَيْن. وقال في مجمع الزوائد (٩/ ٣٦٩) ح (١٥٩٨٢): "رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح"، وحسن إسناده الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (٤/ ٢٨٥) ح (١٧٠٩)، والحديث ضعف إسناده محقق المسند (٣١/ ٣٠٦) ح (١٨٩٧١).

<<  <   >  >>