للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولما كان للتوبة مكانة عظيمة عند الله أمر بها جميع عباده المؤمنين، فقال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: ٣١].

قال السعدي رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: " لأن المؤمن يدعوه إيمانه إلى التوبة ثم علق على ذلك الفلاح، فقال: {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} فلا سبيل إلى الفلاح إلا بالتوبة، وهي الرجوع مما يكرهه الله، ظاهرا وباطنا، إلى: ما يحبه ظاهرا وباطنا، ودل هذا، أن كل مؤمن محتاج إلى التوبة، لأن الله خاطب المؤمنين جميعا، وفيه الحث على الإخلاص بالتوبة في قوله: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ} أي: لا لمقصد غير وجهه، من سلامة من آفات الدنيا، أو رياء وسمعة، أو نحو ذلك من المقاصد الفاسدة" (١).

وأنظر أخي الحاج إلى حال القدوة -صلى الله عليه وسلم-، وهو الذي قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ومع هذا يبذل جهدًا عظيمًا في كثرة الاستغفار والتوبة، وذلك ما يجعل المؤمن يسابق وينافس في هذا المضمار لينال ثمرة ذلك في حياته وعلى حجه ليكون حجاً مبروراً.

يقول أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «وَاللَّهِ، إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي اليَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً» (٢).

ويَقُولُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، تُوبُوا إِلَى اللهِ، وَاسْتَغْفِرُوهُ، فَإِنِّي أَتُوبُ إِلَى اللهِ، وَأَسْتَغْفِرُهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ مَرَّةٍ» (٣).

ومن رحمة الله بعباده أن فتح لهم باب التوبة، فعَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِنَّ اللهَ -عز وجل- يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا» (٤).


(١) تفسير السعدي (٥٦٧).
(٢) أخرجه البخاري (٨/ ٦٧) ح (٦٣٠٧).
(٣) أخرجه أحمد في المسند (٣٠/ ٢٢٦) ح (١٨٢٩٤)، والسنن الكبرى للنسائي (٩/ ١٦٨) ح (١٠٢٠٥)، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (٣/ ٤٣٥) ح (١٤٥٢)، وقال محقق المسند شعيب الأرناؤوط (٣٠/ ٢٢٦) ح (١٨٢٩٤): "حديث صحيح".
(٤) أخرجه مسلم (٤/ ٢١١٣) ح (٢٧٥٩).

<<  <   >  >>