إنَّ الحمدَ للَّهِ نحمدُه ونسَتعينُه ونستغفِرُه، ونعوذُ باللَّهِ من شرورِ أنفسِنا، وسَيِّئاتِ أعمالنا، مَنْ يهدِهِ اللَّهُ فلا مُضِلَّ له، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ له.
وأشهدُ أنَّ لا إلهَ إلا اللَّهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدٌ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه.
أمّا بعد:
فإنَّ التفقُّهَ في الدِّين منزلةٌ لا يخفى شرفُها وعُلاها، ولا تَحتجِبُ عن العقل طوالعُها وأَضْواها، وأرفعُها بعد فهمِ كتاب اللَّه المُنْزَل، البحثُ عن معاني حديث نبيِّه المرسَل، إذ بذلك تثبُتُ القواعدُ ويستقِرُّ الأساس، وعنه يصدُرُ الإجماعُ ويقومُ القياس، وما تقدَّمَ شرعًا تعيَّنَ تقديمُهُ شُروعًا، وما كان مَحمولًا على الرأسِ لا يَحْسُنُ أنْ يُجْعَلَ موضوعًا.
لكنَّ شَرْطَ ذلك عندنا أَنْ يُحْفَظَ هذا النِّظام، ويُجعَلَ الرأيُ هو المؤتمَّ والنصُّ هو الإمام، وتُرَدَّ المذاهبُ إليه، وتُضَمَّ الآراءُ المنتشرة حتى تقِفَ بينَ يدَيه، وأما أَنْ يُجعَلَ الفرعُ أصلًا؛ بردِّ النصِّ إليه بالتكلُّف والتَّحيُّل،