= عن رجل طلَّق امرأتَه ثلاثَ تطليقاتٍ جميعًا، فقام غضبانًا ثم قال:"أيُلعَبُ بكتاب اللَّه وأنا بين أَظهُرِكم؟! " حتى قام رجلٌ فقال: يا رسولَ اللَّه! ألا أَقتلُه؟
رواه النَّسائي عن سليمان بن داود، عن ابن وهب، عن مَخرَمة بن بُكَير، عن أبيه قال: سمعت محمود بن لبيد، فذكره.
وهذا إسناد صحيح، وقد تُكلِّم فيه من وجهَينِ:
أحدهما قول النَّسائي: لا أعلم رواه غيرُ مَخرَمةَ، قالوا: ولم يَسمَعْ من أبيه؛ إنما كان يحدث من كتاب أبيه.
الثاني: أن أبا حاتم الرازي قال: لا يُعلَم لمحمودٍ صُحبةٌ.
والجواب: إن حديثَ مَخرَمَةَ عن أبيه مُخرَّجٌ في الصحيح، ولو ثبت أنه لم يَسمعْ منه، مع كونِ ذلك شهادة على النفي فغايتُه أن يكونَ قد حدَّث عن كتاب أبيه، وهو ثقةٌ، فلولا أنه صحَّ عندَه وتيقَّن أنه من حديث أبيه وإلا لم يَستجِزْ أن يحدث به عنه، والكتابُ أبعدُ عن الغلط من السماع، وقد كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يَبعَثُ كتبَه إلى الملوك وغيرهم، فتقوم بها الحُجَّةُ عليهم، ولم يكنْ يَشافِهُ الرسولَ بمضمون الكتاب، وقد عمل الصحابةُ والتابعون بما كان مكتوبًا عندَهم عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإن لم يسمعوه منه، ولا أخبرَهم صاحبُ الكتاب أنه سمعَه من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهذا كثيرٌ في الصحيح وغيره.
وأمَّا صُحبةُ محمودٍ فقد قال البُخاري: له صُحبةٌ، حكاه عنه ابنُ أبي حاتم، ثم قال: وقال أَبى: لا تُعرَف له صُحبةٌ.
قال ابن عبد البَرِّ: قولُ البُخاري أَولَى، وهو أولَى بأن يُذكَرَ في الصحابة من محمود بن الربيع؛ فإنه أسنُّ منه، قال: وذكره مسلم في التابعين في الطبقة الثانية منهم، فلم يصنع شيئًا، ولا علم منه ما علم غيره.
وقال ابن أبي شَيبة: ثنا يونس بن محمد، ثنا عبد الرحمن بن الغَسيل، عن عاصم بن عمر، عن محمود بن لَبيد الأنصاري قال: كَسَفَتِ الشمسُ يومَ ماتَ إبراهيمُ ابنُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال الناسُ: كَسَفَتِ الشمسُ لموتِ إبراهيمَ، فبلغَ ذلك النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- من قولِهم، فخرج وخرجْنا معه، حتى أمَّنَا في المسجد، وذكر الحديث. =