أخرى، نحو: فلان حسودٌ إلا أنه نمّام، - وكقوله
هو الكلبُ إلاّ أنّ فيه ملالةً وسوء مراعاة وما ذاك في الكلب
وكقوله: لئيم الطباع سوى أنه جبانٌ يهون عليه الهوان
(٢٥) التوجيه
التوجيه: هو أن يُؤتى بكلام يحتمل معنيين متضادين على السواء كهجاء، ومديح، ودعاء للمخاطب، أم دعاء عليه، ليبلغ القائل غرضه بما لا يمسك عليه، كقول بشَّار في خياط أعور (اسمه عمرو) .
خاط لي عمروٌ قباءً ليت عينيه سواءً
فإنّ دعاءه لا يُعلم، هل له أم عليه
وقوله: كلما لاح وجهه بمكان كثرت زحمة العُيون إلى رُؤيته
ويحكى أن محمداً بن حَزم هنأ (الحسن بن سهل) باتصال بنته (بورَان) التي تنسب اليها الأطبخة البورانية (بالخليفة المأمون العباسي) مع من هنأه، فأثابهم، وحرمه: فكتب إليه إن أنت تماديت على حرماني، قلت فيك «بيتاً لا يعرف» أهو مدح أم ذم، فاستحضره وسأله؟ فأقرَّ، فقال الحسن: لا أعطيك أو تفعل، فقال:
بارك الله للحسن ولبوُران في الختن
يا إمام الهدى ظفر ت ولكن ببنت من؟ ؟
فلم يدر: ببنت من؟ ؟ - أفي العظمة وعلو الشأن ورفعة المنزلة أم في الدناءة والخسة؟ ؟ - فاستحسن الحسن منه ذلك، والخلاصة أنَّ التوجيه نوعان:
الأول: أن يكون الكلام بحيث يصلح لأن يراد به معنيان متضادَّان على السواء.
والثاني: أن يكون الكلام بحيث يشتمل على مجموعة، أو مجموعات من مصطلحات العلوم، أو الفنون، أو الأسماء المتلائمة.
الفرق بين التورية والتوجيه
(أ) التورية: تكون في لفظ واحد.
وأما التوجيه: فيكون في تركيب، أو جملة أسماء متلائمة.
(ب) التورية: يقصد المتكلم بها معنى واحداً: هو البعيد، والنوع الأول من التوجيه: لا يترجح فيه أحد المعنيين على الآخر.
(جـ) لفظ التورية: له معنيان بأصل الوضع
وألفاظ النوع الثاني من التوجيه: ليس لها الا معنى واحد بأصل الوضع، ويكون هو المقصود من الكلام.
(٢٦) نفي الشيء بايجابه
نفى الشيء بايجابه: هو أن ينفى متعلّق أمر عن امرٍ، فيوهم اثباته له، والمراد نفيه عنه أيضاً، نحو قوله تعالى (لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله) (١)
فانّ نفى إلهاء التجارة عنهم، يوهم إثباتها لهم - والمراد نفيها أيضاً.
(١) مقتطع من الآية: التي مرت في مبحث ترك المسند، حيث يقول (يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله) فان قوله لا تلهيهم تجارة، يوهم أن لهم تجارة، غير أنهم لا يلتهون بها، ولكن المراد أنهم ليس لهم تجارة حتى يلتهوا بها، لأن رجال الجنة لا يتعاطون التجارة.