للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

عليه، وهي روايات ضعيفة ذكرت أسماء معينة، نجد أنها اجتمعت في رءوس الحرة، وكأنهم لم يخلعوا يزيد إلا لأشياء شاهدوها أثناء زياراتهم للشام، فهم الوحيدون الذين رأوا ذلك وحكوه لغيرهم من أهل المدينة.

وهذا يجعلني أشكُ في وضع هذه الروايات بعد الحرة بزمن بعيد، وذلك بعد أن حُصِرتْ أسماء القائمين على أمر الحرة، ثم نُسِبَتْ إليهم زيارة الشام والرجوع بهذا الخبر المشين بيزيد لأهل المدينة.

وأضيف على ذلك أن في الشام رجالًا ثقات عدول من الصحابة، مقيمين حول يزيد من أمثال النعمان بن بشير -رضي الله عنه- وعبد الله بن جعفر -رضي الله عنه- وغيرهم، هل خفي عليهم أمر يزيد وظهر لغيرهم ممن زار الشام ورجع؟

وقد رد هذه التهمة ابن العربي فقال: (فإن قيل: كان يزيد خمارًا، قلنا: لا يحل إلا بشاهدين) (١).

ولا يَحْسَبُ مَنْ يطلع على ما سبق أن هذا دفاعًا عن يزيد لوحده، وإنما هو دفاع قبل ذلك عمن بايعه من الصحابة رضوان الله عليهم وعن معاوية -رضي الله عنه- الذي ولاه عليهم وعن مقام الخلافة في ذلك القرن المفضل، فالقادح في دين يزيد يقدح بما سبق كله، وكل ما وصل إلينا عنه وعن غيره من أعلام الأمة في القرون المفضلة كان سببه الرواة الكذابين، الذين جعلوا همهم تشويه رموز هذه الأمة، وهذه التهمة غيض من فيض وقطرة من بحر مما أصاب تاريخ الأمويين بعد زوال ملكهم.

* * *


(١) ابن العربي: العواصم من القواصم ص ٢٢٧.

<<  <   >  >>