للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

[١٩٠]- (ثم إن الحجاج بعث أيوب ابن القرية (١) إلى عبد الرحمن

ابن محمد، وقال: انطلق، فادفعه إلى الطاعة، وله الأمان على ما سلف من

ذنبه. فانطلق إليه ابن القرية، فدعاه، فأبلغ في الدعاء، فقال له عبد الرحمن: ويحك يا ابن القرية، أيحل لك طاعته مع ارتكابه العظائم، واستحلاله المحارم؟! اتق الله يا ابن القرية، ووال عباد الله في البرية. ولم يزل عبد الرحمن بابن القرية يختدعه حتى ترك ما أرسل فيه، وأقام مع عبد الرحمن، فقال له عبد الرحمن: إني أريد أن أكتب إلى الحجاج كتابًا مسجعًا، أُعَرِّفه فيه سوء فعاله، وأبصره قبح سريرته، فَأمْلِه عليّ، فقال أيوب: إن الحجاج يعرف ألفاظي، قال: وما عليك، إني لأرجو أن نقتله عن قريب، فَأَمْلَى عليه، فكتب:

بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الرحمن بن محمد، إلى الحجاج بن يوسف، سلام على أهل طاعة الله، الذين يحكمون بما أنزل الله، ولا يسفكون دمًا حرامًا، ولا يعطلون لله أحكامًا، فإني أحمد الله الذي بعثني لمنازلتك، وقواني على محاربتك حين تهتكت ستورك، وتحيرت أمورك، فأصبحت حيران تائهًا، لهفان لا تعرف حقًّا، ولا تلائم صدقًا، ولا ترتق فتقًا (٢)، ولا تفتق رتقًا، وطالما تطاولت فيما تناولت، فصرت في الغي مذبذبًا، وعلى الشرارة مركبًا، فَتَدَبَّرْ أمرك، وقِسْ شبرك بفترك (٣)، فإنك مراق عراق، ومعك عصابة فساق، جعلوك مثالهم، كحذوهم نعالهم، فاستعد للأبطال بالسيوف والعوال، فستذوق وبال أمرك، ويرجع عليك غيك، والسلام.


(١) أيوب ابن القرية والقرية أمه، واسم أبيه يزيد بن قيس بن زرارة النمري الهلالي، كان أعرابيًّا أميًّا، صحب الحجاج، وفد على عبد الملك، كان يضرب به المثل في الفصاحة والبيان، دخل في فتنة ابن الأشعث فقتله الحجاج سنة أربع وثمانين. الذهبي: تاريخ الإسلام ٦/ ٤٤.
(٢) الرتق: الرتق إلحام الفتق وإصلاحه. الفراهيدي: العين ٥/ ١٢٦.
(٣) الفتر: ما بين السبابة والإبهام بعد فتحهما. الزبيدي: تاج العروس ١٣/ ٢٩٥.

<<  <   >  >>