للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

أن أطحنك طحن الرحى بالثفال (١)، وأجعلك غرضًا للنِّبال.

قال أنس: من يعني الأمير؟ أصلحه الله.

قال: إياك أعنى، أسك الله سمعك.

فانصرف أنس إلى منزله، وكتب من ساعته إلى عبد الملك بن مروان:

بسم الله الرحمن الرحيم، لعبد الله عبد الملك أمير المؤمنين من أنس بن مالك، أما بعد، فإن الحجاج قال لي نكرًا، وأسمعني هجرًا، ولم أكن لذلك أهلًا، فخذ على يديه، وأعدني عليه، والسلام.

فلما قرأ عبد الملك كتاب أنس استشاط غضبًا، ثم كتب إليه: هيه يا ابن يوسف، أردت أن تعلم رأي أمير المؤمنين في أنس، فإن سوغك مضيت قدمًا، وإن لم يسوغك رجعت القهقرى، يا ابن المستفرمة بعجم الزبيب، أنسيت مكاسب آبائك بالطائف في حفر الآبار، وسد السكور، وحمل الصخور على الظهور؟ أَبَلَغ من جرأتك على أمير المؤمنين أن تعنت بأنس بن مالك، خادم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ست سنين، يطلعه على سره، ويفشى إليه الأخبار التي كانت تأتيه عن ربه؟ فإذا أتاك كتابي هذا فامش إليه على قدميك حتى تأخذ كتابه إليَّ بالرضا، والسلام.

فلما وصل كتاب عبد الملك إلى الحجاج قال لمن حوله من أصحابه: قوموا بنا إلى أبي حمزة فقام ماشيًا، ومضى معه أصحابه حتى أتى أنسًا، فأقرأه كتاب عبد الملك إليه، فقال أنس: جزى الله أمير المؤمنين خيرًا، كذلك كان رجائي فيه، قال له الحجاج: فإن لك العُتْبى، وأنا صائر إلى مسرتك، فاكتب إلى أمير المؤمنين بالرضا، فكتب إليه أنس بالرضا عنه، ودفعه إلى الحجاج، فأنفذه


(١) الثفال: الجلدة تجعل حول الرحى تمسك الدقيق. ابن سيده: المحكم والمحيط الأعظم ١/ ٢٧٠.

<<  <   >  >>