للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

(وكان والله خير الرجلين) يريد معاوية خير من عمرو بن العاص. وقوله: (اذهبا إلى هذا الرجل واطلبا إليه وأعرضا عليه) يدل على أن معاوية كان الراغب في الصلح، وأنه عرض على الحسن المال وبذله ورغبه فيه حقنًا للدماء وحرصًا على رفع سيف الفتنة، وعرفه ما وعد به النبى -صلى الله عليه وسلم- من سيادته، وأن الله يصلح به بين فئتين من المسلمين، فقال له الحسن: إنا بنو عبد المطلب المجبولون على الكرم والتوسع لمن حوالينا من الأهل والموالي، وقد أصبْنَا من هذا المال بالخلافة ما صارت لنا به عادة إنفاق وإفضال على الأهل والحاشية، فإن تخليت من هذا الأمر قطعنا العادة (وإن هذه الأمة قد عاثت فى دمائها) يقول: قتل بعضها بعضًا فلا يكفون إلا بالمال، فأراد أن يسكن أمر الفتنة ويفرق المال فيما لا يرضيه غير المال، فقالا: نفرض لك من المال فى كل عام كذا ومن الأقوات والثياب ما تحتاج إليه لكل ما ذكرت، فصالحاه على ذلك. وفيه من الفقه: أن الصلح على الانخلاع من الخلافة والعهد بها على أخذ مال جائز للمختلع والمال له طيب، وكذلك هو جائز للمصالح الدافع المال إذا كان كل واحد منهما له سبب فى الخلافة يستند إليه، وعقد من الإمارة يعول عليه» (١).

وقد علق ابن حجر -رحمه الله- على هذا الصلح في شرحه لحديث البخاري السابق بقوله: «وفي هذه القصّة من الفوائد علمٌ من أعلام النّبوّة، ومنقبةٌ للحسن بن عليٍّ، فإنّه تَرَكَ الْمُلْك لا لقلّةٍ ولا لذلّةٍ ولا لعلّةٍ، بل لرغبته فيما عند اللّه؛ لما رآه من حقن دماء المسلمين، فراعى أمر الدّين ومصلحة الأمّة، وفيها ردٌّ على الخوارج الّذين كانوا يكفّرون عليًّا ومن معه ومعاوية ومن معه بشهادة النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- للطّائفتين بأنّهم من المسلمين» (٢).


(١) شرح صحيح البخاري (٨/ ٩٥)
(٢) فتح الباري ١٣/ ٦٦.

<<  <   >  >>