قد تمادت بيننا وبين هؤلاء القوم، وقد شغلتك عن جميع أعمالك، وضبط سلطانك، وقد أظلك هذا العدو الكلب، فأنشدك الله أن تشام نفسك وعشيرتك، قارب هذا الشيخ يعني الكرماني بعض المقاربة، فقد انتقض الأمر على الإمام مروان بن محمد.
فقال نصر: يا ابن عم، قد فهمت ما ذكرت، ولكن هذا الملاح قد ساعدته عشيرته، وظافرتهم على أمرهم ربيعة، فقد عَدَا من أجل ذلك طوره، فلا ينوي صلحًا، ولا ينيب إلى أمان، فانطلق يا ابن عم إن شئت، فسله ذلك، وأعطه عني ما أراد.
فمضى عقيل بن معقل حتى استأذن على الكرماني، فدخل فسلم.
ثم قال له: إنك شيخ العرب وسيدها بهذه الأرض، فابق عليها، قد تمادت هذه العصبية بيننا وبينكم، وقد قتل منا ومنكم ما لا يحصيه أحد، وقد أرسلني نصر إليك، وجعل لك حكم الصبي على أبويه، على أن ترجع إلى طاعته، لتتآزرا على إطفاء هذه النار المضطرمة في جميع كور خراسان، قبل أن يكاشفوا يعني المسودة.
قال الكرماني: قد فهمت ما ذكرت، وكنت كارهًا لهذا الأمر، فأبى ابن عمك -يعني نصرًا- إلا البذخ والتطاول حتى حبسني في سجنه، وبعثني على نفسه وقومه.
قال له عقيل: فما الذي عندك في إطفاء هذه النائرة (١)، وحقن هذه الدماء؟.
قال الكرماني: عندي من ذلك أن نعتزل أنا وهو الأمر، ونولي جميعًا أمرنا
(١) النائرة: مصدرها من نار ينور نر، فهو نائر، ونارت النار أضاءت. د. أحمد مختار: معجم اللغة ٣/ ٢٣٠٢.