للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الجاهلية، فمن شيم العرب وخصوصًا الشرفاء منهم الترفع عن الدناءة، وما يمس المروءة حتى في جاهليتهم، وأبو سفيان من الشرفاء السادة في الجاهلية فقد أنف أن يكَذَّب، وخاف أن تؤخذ عليه، وذلك حينما سأله قيصر الروم عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقصته رواها البخاري ومسلم (١)، فكيف بالزنا وهو أشد من الكذب؟!!

- وأصح ما ورد في ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي عثمان النهدي (٢) أنه قال: لمّا ادّعي زيادٌ لقيت أبا بكرة (٣)، فقلت له: ما هذا الّذي صنعتم؟ إنّي سمعت سعد بن أبي وقّاصٍ، يقول: سَمِعَ أذناي من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول: «من ادّعى أبًا في الإسلام غير أبيه، يعلم أنّه غير أبيه، فالجنّة عليه حرامٌ» فقال أبو بكرة: أنا سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (٤).

قلت: هذا الحديث الصحيح هو أصح ما ورد في قصة الادعاء، وهو خير دليل على براءة معاوية -رضي الله عنه- وزياد؛ لأن المخاطب بـ (أُدعى) يثبت أن الفاعل مجهول، وهذا له وجه آخر وهو أن أبي عثمان سمع بهذا الادعاء، مثل غيره، وجاء معاتبًا أبي بكرة -رضي الله عنه-؛ لأنه عرف المدّعى وجاء لمعاتبة أهله، ولو عرف المدعي وأنه معاوية -رضي الله عنه-، لما أتى إليهم، وبهذا لم يتبين لنا المدعي، وإنما عرفنا المدعى.

وأما النووي في شرحه لهذا الحديث فقال: (قال أبو عثمان لأبي بكرة: ما


(١) البخاري: الصحيح ١/ ٨. مسلم: الصحيح ٣/ ١٣٩٣.
(٢) عبدالرحمن بن مل، أبو عثمان النهدي، ثقة عابد، من كبار الثانية، مات سنة خمس وتسعين. ابن حجر: التقريب ٣٥١.
(٣) أبو بكرة -رضي الله عنه- نفيع بن مسروح، اشتهر بكنيته، كان من فضلاء الصحابة، له رواية. ابن حجر: الإصابة ٦/ ٣٦٩.
(٤) الصحيح ١/ ٨٠.

<<  <   >  >>