إن زيادًا سكن العراق بعد الصلح مع معاوية -رضي الله عنه-، وهو الذي يغلب عليه سمة التشيع، فلم يكن حاله يسرهم بعد أن خرج في نظرهم من ولاء علي -رضي الله عنه- وأصحابه إلى ولاء معاوية -رضي الله عنه-، وهو بذلك لم يكن يفلت من لَمْزهم وما وجدوا له عيبًا إلا أنه لم ينتسب لأحد يذكر، فأشاعوا نسبه إلى أبي سفيان -رضي الله عنه- وجعلوه أخًا لمعاوية -رضي الله عنه-، وشاع ذلك في العراق وهذا ما جاء به الحديث الصحيح عن أبي عثمان النهدي يثبت ذلك، ولكنه لم يُسَمَّ فاعله، وقد كانت عادة أهل العراق في ذلك الزمان أن يلقبوا أمراءهم، ومن هذه الألقاب: ببة والقباع والقمر وضرطة الجمل (١) والأحنف، ولهذا لا يستغرب منهم تلقيب زياد بـ (زياد بن أبي سفيان) نكاية بولائه، ومما يدل على ذلك أنه لم ينسب إلى أبي سفيان -رضي الله عنه- قبل دخوله في أمر معاوية -رضي الله عنه-، ولو كان الفاعل معاوية -رضي الله عنه- لفعل ذلك وهو في أمس الحاجة إليه وذلك في خلافه مع علي -رضي الله عنه-؛ لأن زيادًا كان ضده، أو على أقل احتمال حينما أراد الصلح معه، ولكن كل ذلك لم يحدث إلا بعد وفاة علي -رضي الله عنه- وصلحه مع معاوية -رضي الله عنه-.
ثم إن هذا الأمر شاع بين الناس، ومن المعروف أن تاريخ الأُمويين لم يسجل إلا في العصر العباسي؛ ولذلك أصبح من الضروري إيجاد قصة لذلك الحدث، فنُسِجَتِ الروايات في ذلك، وبينها تناقض، فتارة يُرْمَى بثقل هذا الادعاء على معاوية -رضي الله عنه- وتارة إلى زياد.
(١) أما ببة فهو عبد الله بن الحارث الهاشمي، والقباع هو الحارث بن عبد الله المخزومي، والقمر هو مسعود بن عمرو الأزدي، وضرطة الجمل عبد الرحمن بن مخنف. البلاذري: الأنساب ٥/ ٣٩٧، ٧/ ٤٢٦. الذهبي: السير ١/ ٢٠٠، ٤/ ١٨١.