يصلح للولاية حرصاً على أن يعزله عنها تورعاً منه رحمه الله. فلم يقبل الأمير ذلك منه. وبقي على ولايته.
وظهرت في أيامه الحقوق, وسار من السيرة الحسنة ما لم يسربها أحد قلبه. كان ماضي العزيمة, مقداماً مهوباً منفذاً للأحكام. فكان بذلك مستحسن المقاصد, مشكوراً في الصادر والوارد.
وكان رحمه الله أفضل الناس خلقاً, وأرحبهم صدراً, وأجملهم عشرة, وأتمهم رجولة, وأنداهم يداً, وأكثرهم احتمالاً. يحسن إلى من أساء إليه, ويجود بماله على من بخل به عليه, مع ما كان عليه من سياسة الناس ومداراتهم وقضاء حوائجهم وله في صنعة التوثيق باع مديد, وسهم سديد. وكان سريع القلم سهل الألفاظ مختصر الوثيقة, غاية في البراعة إلى الشعر الرائق, والكتب الفائق.
وله تصانيف عجيبة متداولة بأيدي الناس, كالمشرع الروي في الزيادة على كتاب الهروي, والتكميل والإتمام لكتاب التقريب والإعلام, والأربعين حديثاً الموافق فيها اسم الشيخ لاسم الصحابي, وهو منزع لم يسبق إليه, وكنزهة الناظر في مناقب عمار بن ياسر, وكالجزء المختصر في السلو عن ذهاب البصر, وغير ذلك.
رحل الناس إليه وأخذوا عنه. وكان رحمه الله قد أخذ عن شيوخ جلة كأبي الحجاج ابن الشيخ, وأبي محمد القرطبي, وأبي علي الرندي, وأبي جعفر الجيار, وكالقاضيين أبي محمد بن حوط الله, وأبي سليمان داود, وكالقاضي أبي الخطاب بن واجب, وكأبي زكرياء بن عبد المنعم الأصبهاني وغيرهم.
وكان قد مال أخيراً إلى الرواية. وإنما نبهت عليه هذا التنبيه, وذكرت بعض ما كان من المحاسن فيه, مخافة أن ينقرض الزمان. فتنقرض أخباره. ويفنى ناس عصره, فتنس مآثره وآثاره, وليقف من لم يدركه على مناقبه الجميلة, ويشاهد بعض مآثره الحميدة ومنازعه الجليلة. ومازالت مناقب الأئمة تخلد وتذكر, وتذاع وتنشر. وإذا كان من العلم قد تعين شرعاً, واستحسن طبعاً فحقه علي آكد الحقوق, وسكوتي عن الاعتناء بتخليد مناقبه ضرب من العقوب. ولا غرو أن يقال: ما باله أطال في مدحه عنانه, وأدر من سماء فكره عنانه, فذكر له مالم يذكره لسواه, ولا أظهر على أحد نصه ولا فحواه, فعذري في ذلك أنه لم يكن أحد من أهل عصره