للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان قد ملأ قلوب الروم رعباً, وكانوا يصفونه بالشجاعة والنكاية للعدو. وكان رحمه الله كثير العطاء لمن قصده, عفيف السيف, سيء التدبير. وصل إلى مالقة مراراً وأقام بها إلى أن انتقل إلى ألمرية, فدخلها ليلة الخميس الخامس والعشرين من جمادى الأولى من سنة خمس وثلاثين وستمائة, فأقام بها عند ابن الرميمي ليلة الخميس المذكور إلى نحو من ثلث الليل وهو صحيح دون ألم. فلما كان الثلث الثاني سمع الصياح في دار ابن الرميمي, فنهض إلى الدار فوجد ميتاً, فيقال: إنه خنق, ويقال: إنه مات موتته, والله أعلم.

ووصل الكتاب بموته إلى مالقة غدوة يوم السبت, بعد اليوم المذكور في قارب في البحر. فسبحان من لا ينقضي سلطانه, ولا يبدل ملكه. لا إله إلا هو, الحي الذي لا يموت, وهو على كل شيء قدير.

ومنهم:

[٥٠- محمد بن علي بن خضر بن هارون الغساني]

المشهور بابن عسكر. وهو خالي رحمة الله عليه, يكنى أبا عبد الله, مبتدئ هذا الكتاب.

كان رحمه الله جليل المقدار متفنناً في العلوم على اختلافها, ومشاركاً فيها على تشتت أصنافها, يتقد ذكاء, ويشرق طهارة وزكاء. نشأ بمالقة وبها أعلام وجلة أكابر, فأربى عليهم في معارفه. وكان معظماً عندهم مشاراً إليه فيهم. كانت الفتوى تدور عليه بمالقة, والمسائل ترد عليه من البلاد, فيفتي فيها, ويعمل فيها برأيه, والقضاة يعظمونه كل التعظيم ويقطعون برأيه في أحكامها. وكان معظماً عند الملوك مقرباً لديهم. ولي القضاء بمالقة نائباً عن القاضي أبي عبد الله بن الحسن, وذلك في مدة أبي عبد الله بن هود. ثم إن ابن الحسن أخر. فلما كان في أيام الأمير أبي عبد الله بن نصر, ولي مرة ثانية مستقلاً. وصل كتابه في توليته القضاء في يوم السبت الثامن والعشرين من رمضان المعظم عام خمس وثلاثين وستمائة. فبكى رحمه الله, وامتنع. وكتب إلى الأمير أبي عبد الله يذكر أنه لا

<<  <   >  >>