يكنى أبا البحر. كان رحمه الله أستاذا جليلا عارفا عالما محققا عالي الرواية. أخذ عنه الحاج أبو بكر عتيق وغيره وكان مع ذلك أديبا بليغا وشاعرا مطبوعا. وكان كفيف البصر, أقرأ بمالقة مدة ثم انتقل عنها لباغة, وذلك لسبب أن مقامة صنعت في ذم أعيان مالقة ونسبت له. فخاف من ذلك وتحاشى شر ما نسب إليه. فانتقل لباغة, فتلقاه أهلها جميعهم بما يتلقى مثله من العلماء. قال أصبغ ابن أبي العباس: استوطن باغة مدة من ثلاثين سنة يقرئ العلوم أعيانهم, حتى ألحق بالشيوخ الجهابذة شبانهم. ثم إنه أراد الرجوع إلى مالقة, فكتب إلى الفقيه أبي محمد ابن أبي العباس بذلك, فتوسط له, وكتب له بالوصول وأولاه من المبرة والإكرام ما يجب لمثله.
ومن شعره رحمه الله وقد سئل إجازة بيتي الشريف الرضي, فقال الفقيه أبو البحر ارتجالا:
إذا ما قلت إني عنك سال ... فذاك اليوم أعشق ما أكون
فلا تخشى القطيعة إن قلبي ... عليك اليوم مؤتمن أمين
ولا تخشى مع الأيام خونا ... فقلبي بعضه بعضا يخون
وأين من السلو فؤاد صب ... هـ في كل جارحة حنين
يعلل بادكارك كل حين ... ويخضع في رضاك ويستكين
فيبلى كل حب غير حبي ... وتفنيني, ولا تفنى, الشجون
وله يمدح أبا بكر بن عيسى:
بالأروع الثبت الجنان الأوحد ... أسطو على صرف الزمان الأنكد