بعد كلام: لكن بيده لواء التقديم, وهو المفضل على الحديث من أهل بلده والقديم.
قلت: وللفقيه أبي محمد المذكور أشعار رائقة, وكتب في غاية البراعة. وبينه وبين الفقيه الزاهد أبي الحجاج ابن الشيخ رحمه الله, مكاتبات وأشعار, تنبئ عن بلاغته ومعرفته وجودة طبعه, أذكر منها الآن طرفاً, وسأذكر طرفاً منها في ترجمة يوسف إن شاء الله تعالى.
كتب له الحاج الزاهد أبو الحجاج ابن الشيخ رضي الله عنه شعراً, وسأله الجواب, فكتب له أبو محمدٍ رحمه الله: أدام الله عز الفقيه الأجل, الولي في الله عز وجل, أبي الحجاج, معدوداً فيمن قيل من الحجاج, آمين, بمن الله رب العالمين. بهرتني أيها الإنسان, أبياتك الحسان, المفيدة إن زففتها, الغربية إن نفضتها, ورأيت مرادك أن آخذ في صنعة شيء من الشعر, وإن حكى في تأليفه سقوط البعر. فلك الفضل يا وليي في بسط المعذرة, والمعاملة فيه بالنظرة. أما شعرت بامتناع الشعر, عند ارتفاع الشعر, عند ارتفاع السعر, وأن لا أمل في هزج منه ولا رمل, ما دام زحل, في برج الحمل. ولا شك أنك رخي البال, لا يروعك دوي الغربال. أما خبزك ففي الخمير, وأما عزك فطوقوه للأمير. ألا (من) ييسر في بيت (شعر) وسيدي قصده يزوره في اليوم, ألف مرة تعم. وفي عزمته مزحه, يزجها -ثم ينام لمحة- لآخر يتلفف في عبادة, ويتعفف عن الباءة. قد نبذت جلته الصهباء, وأودت به السنة الشهباء, فأصبح لا يعلو نواره مغرساً, ولا يأتي بمن يهواه معرساً. إليك عني, فما أنا من الشعر ولا هو مني, اللهم إلا أن يرخص القمح والشعير, فدونك منه حمل بعير, والسلام.
وكان بينهما من المداعبات أكثر من هذا, وقد جمعها الفقيه أبو الحجاج في سفر, وهو موجود بأيدي الناس.