وفي خلال ذلك ظهر هشام الدعي على ما يأتي ذكره في بابه, فحجبه إسماعيل أخو عباد, إلى أن قتل إسماعيل. فانتقلت الحجابة لعباد أخيه. ثم مات أبوه القاضي سنة ست وثلاثين وأربعمائة. وولي عباد المذكور, وتسمى بالمعتضد بالله المنصور بفضل الله. ودبر المملكة, ونظر في قتل البرابر وأخذ الثأر منهم. فلما كان في سنة ثمان وأربعين خرج يتصيد, وقيل كان به سكر حتى وصل رندة, وفيها أبو نور النفري, ومعاذ بن أبي قرة, فأكرماه, وقالا له: ما جاء بك, فقال: أريد تطهير أولادي, أن ترسلوا عن الحجاب يشرفون بالحضور بأنفسهم ونسائهم في أحسن زي, ليكون لي بذلك شرف في الأندلس. فاجتمع الحجاب وأعلموا بذلك, وأخذوا في الشرب, فأظهر المعتضد السكر. فقال الحجاب: جاء الكبش للجزار. فقال معاذ وأبو نور: والله لا كان هذا أبدا. ففهم المعتضد كلامهم, فأمر بصلات, فدفعها إليهم, ثم انصرف عنهم. فمضوا إليه في أحسن زي مع نسائهم, فلما دخلوا عليه, أنزل أبا نور ومعاذا أحسن نزل, وسائر الحجاب أخذ سلاحهم. واختلف الناس في موتهم. فأصح ذلك أنه أدخلهم الحمام على معنى الإكرام, وأمر ببنائه عليهم, فبقوا فيه حتى ماتوا, وقيل: سجنهم فيه ليلا, والله أعلم أي ذلك كان. وكان المعتضد شديد البأس كثير الحزم صاحب رأي وتدبير. وكان إذا أشكل عليه أمر دخل حنيته, ورد وجهه ورأسه إلى الحائط فيدير ما يراه سدادا, ويأمر بإنفاذه, فيكون من أبدع ما يختار وأصوب ما يدبر. فكان لذلك يسمى أسد الحنية. وكان يقول الشعر.
فمن شعره يخاطب صهره بدانية: (بسيط)
صهري أبا الجيش هل يقضى اللقاء لنا ... فيشتفي منك طرف أنت ناظره
شط المزار بنا والدار دانية ... فيا حبذا اللفظ لو صحت زواجره
ومن مستحسن شعره قصيدته المشهورة التي أولها: (طويل)