عياض. وكان رحمه الله من جلة الطلبة, مشارا غليه, معظما عند الملوك, يفاخرون به في مجالسهم لطلبه وحسبه. وكان رحمه الله مهابا مقداما فصيح اللسان, عارفا بمقادير الناس, متواضعا فاضل الأخلاق, حسن المصاحبة, جميل العشرة, كثير الرجولية, متسرعا لقضاء الحوائج, فاضل الطبع, كثير الأدب. حدثني خالي رحمة الله عليه قال: لما تزوجت صنعت طعاما معدا للعرس على جري العادة بين الناس. قال: فلما كان في يوم الذبح أكبرت الفقيه أبا الفضل على أن استدعيه لمثل ذلك اليوم. وكان في نفسي أن لا أستدعيه غلا في يوم الإطعام لكون يوم الذبح إنما هو يوم مهنة وتعب. قال: فبينما أنا جالس, وإذا الضرب على الباب, ففتح, فإذا بالفقيه أبي الفضل, فدخل. قال: فعتب علي, وقال لي: ما كنت أظن منك هذا. أفلا استدعيتني حتى أكون أتصرف في جملة من يتصرف. قال: فخجلت منه, واعتذرت له, وقلت له: يا سيدي, ما منعني من هذا إلا كوني أجلك عن مثل هذا. قال: فقال لي: لا عليك, الموضع موضعي, سواء استدعيت أم لم تستدع. وهذا غاية في التواضع والفضيلة وصفاء النفس.
نقلت من خط خالي رحمة الله عليه قال: حدثني الشيخ الفقيه الأجل أبو الفضل عياض أعزه الله أن والده القاضي أبا عبد الله, كان مع أبي محمد التادلي, وكان قد أصابهما بعض اعتقال, فباتا ليلة (معا) , وصنع كل واحد منهما بيتين توافقا في معناهما, فأنشد التادلي لنفسه:
اصبر إذا ما أردت أمرا ... فالصبر مفتاح كل نجح
والهم ليل وكل ليل ... لا بد أن ينجلي بصبح
وأنشد القاضي لنفسه:
من حيث يغلق باب أمر يفتح ... والله أعلم بالذي هو أنجح
لا تيأسن من الظلام لليلة ... طالت عليك, فكل ليل يصبح