ويستمع مقالهم من حيث لا يشعر به أحد منهم فكان ذلك الشخص يعرفه من كل مسافة حلوا فيها بما فعلوا فكان ابن حسون لا يخفى عليه من أمرهم شيء فلما كان في بقض الطريق أخرجوا حوتا وأخذوا يحاولون أمر الغداء فبينما هم كذلك أخذوا يقعون في ابن حسون وأسلافه وينسبون القبائح إليهم فقال لهم ابن عبد العظيم أما شتمكم لابن حسون فأوافقكم عليه فإنه عدوي وضرني وأما أسلافه فما فعلوا لنا ذنبا فبأي وجه نتطرق إليهم والله لا كان هذا بمحضري أبدا فامتنعوا عن الوقوع في سلفه بسبب ابن عبد العظيم فكتب ذلك الشخص يعرف ابن حسون بذلك فسره وشكر لابن عبد العظيم قوله فلم يكن إلا عن قريب ووصل كتاب لابن حسون بأن يفعل بالشاكين به ما رأى فوصلهم الخبر وتفرقوا في البلاد فخرج ابن عبد العظيم إلى أشبيلية وأقام بها حتى أدركته وحشته إلى أهله ووطنه فعزم على الخروج إلى مالقة فبينما هو داخل على البحر إلى مالقة وقد لبس ثيابا غلفا من حيث لا يشعر به أخبر القاضي ابن حسون بوصوله فخرج فلقيه في الطريق فكلما عمدا بن حسون إليه تنحى عن الطريق خوفا منه فما زال به حتى ضمه إلى موضع لم يمكنه الخروج عنه وقال له: أين تذهب أولست فلانا فلم يمكنه إلا أن سلم عليه وقال له سر في عافية فمشى ابن عبد العظيم إلى داره.
وبقي يترقب أمر ابن حسون فيه فلما جن الليل وإذا بالضرب على باب ابن عبد العظيم فخرج فقيل له: ابن حسون يستدعيك فسقط في يده ورجع فودع أهله وسار إليه فلما دخل عليه قام إليه ابن حسون ورحب به وآنسه بالكلام وجعل يقول له: سرتم في خروجكم من موضع كذا وقلتم فيه كذا وابن عبد العظيم يتعجب من ذلك إلى أن قال له ويوم أكلتم الحوت أخذ أصحابك في سب سلفي والوقوع في أبوي فمنعتهم أكذلك كان؟ قال: نعم فقال له القاضي فجزاك الله خيرا وشكرك على فعلك مثلك من يفعل هذا وترامى عليه يقبل وأسه ويقول له: بررت أبوي فوالله لا زلت أبرك ما دمت حيا ورفع بساطه وأخرج له مائة دينار وثياباً رفيعة ومطية عظيمة وقال له خذ هذا ولتلازم مجلسي في كل يوم فذهب ابن عبد العظيم إلى داره مسروراً فكان القاضي بعد ذلك لا يقطع في أمر من الأمور إلا بعد مشاورته وعظمت منزلة ابن عبد العظيم وفخم ذكره وبقي كذلك إلى أن توفي رحمه الله في حدود الأربعين وخمسمائة.