للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الله متوقد الخاطر فربما تكلم مع أحد التجار منه هفوة فيقول له: شتان بينك وبين أبي عبد الله في العقل والصمت وربما طالبه بأشياء ليجاوبه عليها فما يزيد على الضحك فلما كان في أحد الأيام جاء ليفتح دكانه فتعمد أن ألقى الغلق من يده فوقعت على رأس أبي عبد الله وهو مقبل على شغله فسال دمه فما زاد على أن قام ومسح الدم ثم ربط رأسه وعاد إلى شغله فلما رأى ذلك منه أبو جعفر المذكور ترامى عليه وجعل يقبل يديه ويقول ولله ما سمعت برجل أصبر ولا أعقل منك والله لقد تعمدت ذلك وهو يضحك ويقول بارك الله فيك وغفر لك.

قال أبو عمرو رحمه الله: لقيت الفقيه أبا عبد الله الرصافي رحمه الله غير مرة وكان صاحبا لأبي وكان له موضع يخرج إليه في فصل العصير فكنت أجتاز عليه في أكثر الأيام مع أبي رضي الله عنه فألثم يده فربما قبل رأسي ودعا لي. وكان أبي يسأله الدعاء فيخجل ويقول: أنا والله أحقر من ذلك وكان من أعقل الناس وأحسنهم خلقا وخلقا وكان رحمه الله أديبا بليغا متصرفا وشعره مجموع بأيدي الناس حدثني به الفقيه الأديب أبو عمرو عن الأديب أبي علي بن كسرى سماعا من لفظه وقراءة عليه عن أبي عبدا لله بن الرصافي وعن الأستاذ أبي عبد الله بن الحجاري عن أبي عبد الله بن الرصافي وأقيد منه إن شاء الله جملة يتذكر بها إن شاء الله من ذلك قصيدته المشهورة في الخليفة عبد المؤمن بن علي أنشده إياه بجبل الفتح عند إجازته إلى الأندلس وهي مما سمعه أبو علي بن كسرى من لفظه رحمه الله تعالى وهي:

لو جئت نار الهدى من جانب الطور ... قبست ما شئت من علم ومن نور

من كل زهراء لم ترفع ذؤابتها ... ليلا لسار ولم تشبب لمقرور

فضية القدح من نور النبوة أو ... نور الكرامة تجلو ظلمة الزور

ما زال يقضمها التقوى بموقدها ... صوام هاجرة قوام ديجور

حتى أضاءت من الإيمان عن قبس ... قد كان تحت رماد الكفر مكفور

<<  <   >  >>