للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢ - والحجة الثانية عندهم هي قول الله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: ٤٤].

فيقولون: إن الرسول - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - ليس إلا مُبَيِّنًا وَمُفَسِّرًا لما جاء في القرآن وقد شاع على ألسنتهم وغيرهم وصف السنة بالمذكرة التفسيرية للقانون ولكن هذه المذكرة غير ملزمة للقاضي ولا لغيره من الناس وقد تكون كاشفة عن سبب الحكم ولكن ما تتضمنه من تفسير لا يلزم أحدًا وهذا بخلاف السنة النبوية، فهي ملزمة لجميع المسلمين.

والآية القرآنية تبين بجلاء أن الله أنزل الذكر على النبي ليبين للناس وَهْمَ الكُفَّارِ حكم الله لعلهم يتفكرون فيهتدون إلى الإيمان (١).

فالناس هنا هم الكفار لا يؤمنون كما أن الذكر هو القرآن وبيان النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يكون بتلاوته على الناس جميعًا كما يكون البيان للناس عن طريق الأحاديث النبوية، ولكن ظاهر هذه الآية لا ينطبق إلا على الكفار لأنهم هم الذين يعرضون عن الإيمان، فتلاوة القرآن عليهم وبيانه يقيم الحجة عليهم ولعلهم يتفكرون فيهتدون إلى الإيمان، أما المؤمنون فهم مهتدون إلى الإيمان بنعمة الله وليسوا في حاجة إلى إقامة الحجة أو طلب إيمانهم بالله، ويزيد ذلك وضوحًا الآيات الأخرى الواردة في هذا المعنى في نفس السورة وهي سورة النحل، قال الله تعالى: {تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ} [النحل: ٦٣، ٦٤]. وهذا لا يكون إلا بالنسبة للكفار كما أن القرآن هدى ورحمة لمن آمن به وهؤلاء لا يقول الله عنهم {بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: ٤٤].


(١) " تفسير القرآن العظيم ": لإسماعيل بن كثير: جزء ٤.

<<  <   >  >>