للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الله إياها، قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لله وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ حَمِيدٌ * وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِالله إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} ... الآيات إلى قوله تعالى: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} (١).

هذه وصية حكيم لابنه، فهي نصيحة مبرأة من العيب، وصاحبها قد أوتي الحكمة التي من أوتيها فقد أوتي خيراً كثيراً، وهي تجمع أمهات الحكم، وتستلزم ما لم يذكر منها، وكل وصية من وصايا هذا الحكيم لابنه يقرن بها ما يدعو إلى فعلها إن كانت أمراً، وإلى تركها إن كانت نهياً، وهذا يدل على أن الحكمة هي: العلم بالأحكام، وحكمها، ومناسبتها، ووضع الأشياء مواضعها.

ومن فضل الله على عباده ومنّته أن قصَّ عليهم هذه الحِكَم حتى يعملوا بها ويكتسبوها بفضله تعالى، وهذا الحكيم أمر ابنه بأصل الدين وهو التوحيد، ونهاه عن الشرك بالله، وبين له الموجب لتركه، وأمره ببرّ الوالدين، وبين له السبب الموجب لبرّهما، وأمره بشكر الله وشكرهما، ثم احترز بأن محلّ برّهما وامتثال أوامرهما ما لم يأمرا بمعصية، ومع ذلك فلا يعقّهما بل يُحسن إليهما، وأن لا يطيعهما إذا جاهداه على الشرك، وأمره بمراقبة الله - عز وجل - وخوفه القدوم عليه، وأنه تعالى لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً من الخير والشر إلا أتى بها، فصوّر له عظمة علم الله، ودقّة


(١) سورة لقمان، الآيات: ١٢ - ١٩.

<<  <   >  >>