للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شموله، وإحاطته تصويراً يرتعش له الوجدان البشري، وأوصاه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعد ما أمره بتكميل نفسه بفعل الخير وترك الشر، حتى يحصل الكمال لغيره بعد كمال نفسه، ولما علم هذا الحكيم أنه لابد أن يُبتلى إذا أمر ونهى، وأنّ في الأمر والنهي مشقَّة على النفوس أمره بالصبر على ما يحصل له من المشقة والأذى؛ فإنه لابد وأن يواجه المتاعب التي يواجهها صاحب العقيدة الصحيحة، وبيّن له أن ذلك من الأمور التي يعزم عليها، ويهتمّ بها، ولا يقف لها إلا أهل العزائم؛ فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة الصبر يسهل الله بذلك كل أمرٍ عسير، كما قال تعالى: {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ} (١).

ومع ذلك كله من الأمر بجميع الحكم السابقة لم يغفل هذا الحكيم عن وصية ابنه بالآداب السامية، فنهاه عن التكبر، وأمره بالتواضع، ونهاه عن البطر والأشر والمرح، وأمره بالسكون في الحركات والأصوات، ونهاه عن ضد ذلك حتى لا يتطاول على الناس فيفسد بالقدوة ما يصلح الكلام.

فحقيقٌ بمن أوصى بهذه الوصايا، وهذا السلوك الحكيم أن يكون مخصوصاً بالحكمة، مشهوراً بها، وحقيقٌ بمن التزم هذه الوصايا - بصدقٍ وإخلاصٍ ورغبةً فيما عند الله - أن يُؤتيه الحكمة، ويوفقه للصواب في القول والعمل (٢).


(١) سورة البقرة، الآية: ٤٥، وانظر أيضاً: سورة البقرة، الآية: ١٥٣.
(٢) انظر: تفسير ابن كثير، ٣/ ٤٤٤، وفي ظلال القرآن، ٥/ ٢٧٨١، ٢٧٩٠، ٢٧٨٢، وتفسير السعدي، ٦/ ١٥٩، ١٦١.

<<  <   >  >>