وأكثر علما، وكان أبو محمد هذا يتقلّد ديوان الانشاء للظاهر ثم للمستنصر، وكان رزقه في كلّ سنة ثلاثة آلاف دينار، وله عن كلّ ما يكتبه من السجلات والعهود وكتب التقليدات رسوم يستوفيها من كل شيء يحسبه، وكان شابا حسن الوجه جميل المروءة واسع النعمة طويل اللسان جيّد العارضة. وسلّم إلى أبي منصور ابن الشيرازي رسول [أبي] كاليجار إلى مصر من بغداد جزءين من شعره ورسائله، واستصحبهما إلى بغداد ليعرضهما على الشريف المرتضى أبي القاسم وغيره ممن يأنس به من رؤساء البلد، ويستشير في تخليدهما دار العلم، لينفذ بقية الديوان والرسائل إن علم أنّ ما أنفذه منها ارتضي واستجيد، وانه فارقه حيا، ثم ورد الخبر بأنه مات في شهر رمضان سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة في أيام المستنصر.
قال ابن عبد الرحيم: ووقع إليّ الجزء من الشعر فتأملته فما وجدته طائلا، وعرّفني الرئيس أبو الحسين هلال بن المحسن أن الرسائل صالحة سليمة، قال: وقد انتزعت من المنظوم، على خلوّه إلا من الوزن والقافية. فمن شعره:
عشق الزمان بنوه جهلا منهم ... وعلمت سوء صنيعه فشنئته
نظروه نظرة جاهلين فغرّهم ... ونظرته نظر الخبير فخفته
ولقد أتاني طائعا فعصيته ... وأباحني أحلى جناه فعفته
ومن شعره أيضا:
ولي لسان صارم حدّه ... يدمي إذا شئت ولا يدمى
ومنطق ينظم شمل العلا ... ويستميل العرب والعجما
ولو دجا الليل على أهله ... فأظلموا كنت لهم نجما
ومن شعره أيضا:
أخذ المجد يميني ... ليفيضنّ يميني
ثم لا أرجىء إحسا ... نا إلى [من] يرتجيني
ومن شعره أيضا:
ولقد سموت على الأنام بخاطر ... الله أجرى منه بحرا زاخرا