للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- ١٣٥-

[أحمد المحرر يعرف بالأحول]

: قديم كان في أيام الرشيد والمأمون وبعد ذلك، قال أبو عبد الله ابن عبدوس: ذكر أبو الفضل ابن عبد الحميد في كتابه أن الأحول المحرر شخص مع محمد بن يزداد بن سعيد وزير المأمون عند شخوص المأمون إلى دمشق، وأنه شكا يوما إلى أبي هارون خليفة محمد بن يزداد الوحدة والغربة وقلة ذات اليد، وسأله أن يكلّم له محمدا في كلام المأمون في أمره ليبرّه بشيء، ففعل أبو هارون ذلك، ورأى محمد بن يزداد من المأمون طيب نفس فكلمه فيه وعطفه عليه، فقال له المأمون: أنا أعرف الناس به، ولا يزال بخير ما لم يكن معه شيء، فإذا رزق فوق القوت بذّره وأفسده، ولكن أعطه لموضع كلامك أربعة آلاف درهم. فدعا ابن يزداد بالأحول وعرّفه ما جرى ونهاه عن الفساد، وأمر له بالمال، فلما قبضه ابتاع غلاما بمائة دينار، واشترى سيفا ومتاعا، وأسرف فيما بقي بعد ذلك حتى لم يبق معه شيء، فلما رأى الغلام ذلك أخذ كلّ ما كان في بيته وهرب، فبقي عريانا بأسوأ حال، وسار إلى أبي هارون خليفة ابن يزداد فأخبره، فأخذ أبو هارون نصف طومار ونشره ووقع في آخره:

فرّ الغلام فطار قلب الأحول ... وأنا الشفيع وأنت خير معوّل

ثم ختمه ودفعه إليه وقال له: امض به إلى محمد بن يزداد فأوصله إليه، فلما رآه ابن يزداد قال له: ما في كتابك؟ قال: لا أدري، فقال: هذا من حمقك، تحمل كتابا لا تدري ما فيه، ثم فضّه فلم ير فيه شيئا، فجعل ينشره وهو يضحك حتى أتى على آخره، فوقف على البيت ووقّع تحته:

لولا تعبّث أحمد بغلامه ... كان الغلام ربيطة بالمنزل

ثم ختمه وناوله [إياه] وأمره أن يردّه إلى خليفته، فقال له: الله الله فيّ جعلت فداك، ارحمني من الحال التي صرت اليها، فرقّ له ووعده أن يكلم المأمون، فلما وجد بعد ذلك خلوة من المأمون كلمه فيه وشرح له ما جرى أجمع، ووصف له ضعف


[١٣٥]- انظر نصوص ضائعة من كتاب الوزراء والكتاب للجهشياري: ٤٥ وبدائع البدائه: ٤٦- ٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>