وبرّأناه من مشاعر الحسد والكراهية قلنا إن ترجمة ياقوت عنده ناقصة.
وفي آخر سفرة لياقوت إلى مصر عاد إلى حلب ونزل بخان في ظاهرها، (وهنا يبدو لنا لم تكون عبارة «أقاسمك العيش» غامضة ومثلها «فأقام مشاركا في المعلوم» ) ، فقد مرض ومات في ذلك الخان ٢٠ رمضان سنة ٦٢٦/١٢ آب ١٢٢٩.
٢- شخصية ياقوت وأخلاقه:
التقى ابن الشعار بياقوت في الموصل، وياقوت يومئذ في كهولته، وكان ياقوت صديقا لأخي ابن الشعار، وبينهما أنس تام «١» ؛ فنشأت بين ياقوت ومؤلف قلائد الجمان معرفة لم تتطور إلى صداقة لقصر المدة التي أقامها ياقوت في الموصل، ويصف ابن الشعار ياقوتا بأنه كان أشقر أحمر اللون أزرق العينين «٢» ولم يستوقفه من مظهره سوى ما ذكر؛ لكنه أسرع إلى ذكر بعض تصرفاته السلوكية، فذكر أنه كان ضنينا بما يجمعه، لا يحب إطلاع أحد على ما يؤلف، شديد الحرص عليه، لا يقدم لمخلوق فائدة البتة، وكان ربما سئل عن شيء، وهو به عارف، لم يجب عنه شحا وجفاء طبع. هكذا كانت شيمته مع الناس «٣» .
وبخل ياقوت بما يؤلف قد أطنب هو نفسه في وصفه في مقدمة كتابه «معجم الأدباء» فهو هناك ينسب ضنّه به إلى ما قاساه في جمعه، وكثرة وقوفه على الأبواب في لقاء الأشخاص الذين يستمد منهم مادة كتابه، «فلا غرو أن أمنعه من ملتمسيه، وأحجبه عن الراغبين فيه» ويحس هو بأن هذا التصرف مستهجن، ويعاتب نفسه على هذا الفعل، ولكنه يتأسى بأناس مثل محمد بن عبد الملك التاريخي، حجبوا كتبهم وضنوا بها وهي دون كتابه بكثير، ويقول:«قد أقسمت أن لا أسمح بإعارته ما دام في مسودته لئلا يلحّ طالب بالتماسه ... فإذا هذّبته ونقحته وبيّضته فتمتع به ... » إذن فإن البخل لم يكن قاعدة عامة في طبع ياقوت، ولكنه لم يكن ليخرج