ثم قال: التقديس التطهير في كلام العرب، ولذلك سمي القدس قدسا لأنه يشتمل على الذي به الطهور، وكل هذه الأحرف تؤول إليه، فقلت له: ما أحسبك أنعمت النظر في شيء من علوم العرب، ولو تقدمت منك مطالعة لها لما استجزت أن تجمع بين معاني هذه الكلمات مع تباينها، وذلك لأن القدّاس بتشديد الدال حجر يلقى في البئر ليعلم به غزارة مائها من قلته، حكى ذلك ابن الأعرابي، والقداس الجمان، حكى ذلك الخليل واستشهد بقوله [كنظم جمان سلكه متقطع. والقادس السفينة، قال الشاعر بصف ناقة:]
وتهفو بهاد لها متلع ... كما اقتحم القادس الأردمونا
فلما علوته بالكلام قال: يا هذا مسلّمة إليك اللغة. قلت: وكيف تسلمها وأنت أبو عذرتها، ومن نصابها وسرها، وأولى الناس بالتحقق بها والتوسع في اشتقاقها والكلام على أفانينها، وما أحد أولى بأن يسأل عن لغته منك. فشرعت الجماعة الحاضرة في إعفائه وقبول عذره والتوطيء له، وقال كل منهم: أنت أولى بالمراجعة والمياسرة لمثل هذا الرجل من كل أحد. وكنت قد بلغت شفاء نفسي، وعلمت أن الزيادة على الحدّ الذي انتهيت إليه ضرب من البغي لا أراه في مذهبي، ورأيت له حقّ القدمة في صناعته، فطأطأت له كتفي، واستأنفت جميلا من وصفه، ونهضت فنهض لي مشيّعا الى الباب حتى ركبت، وأقسمت عليه أن يعود إلى مكانه، وتشاغلت بقية يومي بشغل عنّ لي تأخرت معه عن حضرة المهلبي، وانتهى إليه الخبر وأتتني رسله ليلا فأتيته فأخبرته بالقصة على الحال، فكان من سروره وابتهاجه بما جرى ما بعثه على مباكرة معز الدولة، قال له: أعلمت ما كان من فلان والمتنبي؟ قال: نعم قد شفا منه صدورنا.
[[١٠٣٦] محمد بن الحسن الزبيدي الاشبيلي أبو بكر، النحوي اللغوي:]
سكن
[١٠٣٦] ترجمة الزبيدي في ابن الفرضي ٢: ٨٩ وجذوة المقتبس: ٤٣ (وبغية الملتمس رقم: ٨٠) وانباه الرواة ٣: ١٠٨ والمحمدون: ٧٣ والمغرب ١: ٢٥٠ وابن خلكان ٤: ٣٧٢ وعبر الذهبي ٣: ١٢ وسير الذهبي ١٦: ٤١٧ والوافي ٢: ٣٥١ ومرآة الجنان ٢: ٤٠٩ والبلغة: ٢١٨ وبغية الوعاة ١: ٨٤ والشذرات ٣: ٩٤.