حتى كأن جلابيب الدجى رغبت ... عن لونها وكأن الشمس لم تغب
وفيها يقول:
أجبته معلنا بالسيف منصلتا ... ولو أجبت بغير السيف لم تجب
وأما قوله «أقول لقرحان من البين» فانه يريد رجلا لم يقطعه أحبابه ولم يبينوا عنه قبل ذلك، وإذ كانت حاله كذلك كان موقع البين أشدّ عليه وأفتّ في عضده، والأصل في هذا أن القرحان الذي لم يجدر قط، وقد قال جرير:
وكنت من زفرات البين قرحانا
وفي هذه القصيدة من المعاني الرائعة والتشبيهات الواقعة والاستعارات البارعة ما يغتفر معه هذا البيت وأمثاله، على أنّا أبنّا عن صحة معناه وعن أمثاله، فمن ذلك:
إذا العيس لاقت بي أبا دلف فقد ... تقطّع ما بيني وبين النوائب
يرى أقبح الأشياء أوبة آمل ... كسته يد المأمول حلّة خائب
وأحسن من نور يفتّحه الندى ... بياض العطايا في سواد المطالب
وقد علم الأفشين وهو الذي به ... يصان رداء الملك عن كل جاذب
بأنك لما استحنك النصر واكتسى ... أهابي تسفى في وجوه التجارب
تجللته بالرأي حتى رأيته ... به ملء عينيه مكان العواقب
بأرشق إذ سالت عليهم غمامة ... جرت بالعوالي والعتاق الشوازب
ولو كان يفنى الشعر أفناه ما قرت ... حياضك منه في العصور الذواهب
ولكنه فيض العقول إذا انجلت ... سحائب جود أعقبت بسحائب
فبهره مما أوردته ما قصّر عنان عبارته، وحبس بنيات صدره، وعقل عن الإجابة لسانه، وكاد يشغب لولا ما تخوفه من عاقبة شغبه، وعرفه من مكاني في تلك الأيام، وأن ذلك لا يتم له، فما زاد على أن قال: قد أكثرت من أبي تمام لا قدس الله أبا تمام وذويه. قلت: ولا قدس السارق منه والواقع فيه.
ثم قلت له: ما الفرق في كلام العرب بين التقديس والقدّاس والقداس والقادس، فقال: وأيش غرضك في هذا؟ فقلت: المذاكرة، فقال: بل المهاترة،