وبلغني عن بعض متعاطي علم الأدب أنه شرح «كتاب المقامات الحريرية» فقال عند قوله: «ولو أوتي بلاغة قدامة» أن قدامة بن جعفر كان كاتبا لبني بويه، وجهل في هذا القول، فان قدامة كان أقدم عهدا، أدرك زمن ثعلب والمبرد وأبي سعيد السكري وابن قتيبة وطبقتهم، والأدب يومئذ طريء، فقرأ واجتهد وبرع في صناعتي البلاغة والحساب، وقرأ صدرا صالحا من المنطق، وهو لائح على ديباجة تصانيفه وإن كان المنطق في ذلك العصر لم يتحرر تحريره الآن، واشتهر في زمانه بالبلاغة ونقد الشعر، وصنّف في ذلك كتبا منها «كتاب نقد الشعر» له، وقد تعرض ابن بشر الآمدي إلى الردّ عليه فيه، وله كتاب في الخراج رتبه مراتب وأتى فيه بكلّ ما يحتاج الكاتب إليه وهو من الكتب الحسان، إلى غير ذلك من الكتب. ولم يزل يتردد في أوساط الخدم الديوانية بدار السلام إلى سنة سبع وتسعين ومائتين، فإن الوزير أبا الحسن ابن الفرات لما توفي أخوه أبو عبد الله جعفر بن محمد بن الفرات في يوم الأحد لثلاث عشرة ليلة خلت من شوال سنة سبع وتسعين ومائتين وكان أسنّ من أخيه أبي الحسن ابن محمد الوزير بثلاث سنين ردّ ما كان إليه من الديوان المعروف بمجلس الجماعة إلى ولده أبي الفتح الفضل بن جعفر وإليه ديوان المشرق، ثم ظهر له بعد ذلك اختلال من النواب فولّاه لولده أبي أحمد المحسّن، واستخلف المحسن عليه القاسم بن ثابت، وجعل قدامة بن جعفر يتولّى مجلس الزمام في هذا الديوان، وبانت عند ذلك صناعة المحسّن، وأثار من جهة العمال أموالا جليلة.
[٩١٧]
قعنب بن المحرّر الباهلي أبو عمرو
الرواية: من أهل البصرة المكثرين، وكان أبو هفان يتردد إليه فأخذ عنه ثم وجد عليه فهجاه.
حدث قعنب قال: دخلت على سعيد بن سلم الباهلي وهو يضحك، فسألته عن سبب ذلك فقال: جاءتني جارية ليست عندي كغيرها فغمزتني فانتشرت فقلت:
ادعي لي فلانة لجارية كنت أهواها، فقالت: لا والله، فقلت: ولم؟ قالت: لأنك