للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لنفسي أكثرها، ثم جعلت أطالعها فلا أفهم معانيها، فيضيق صدري. فسألت بعض الطلبة، وقلت له: أي العلوم أنفق؟ فقال: الناس في الأدب أرغب منهم في غيره.

قلت له: وأيّ الكتب أشهر من كتب الأدب؟ فقال: كتاب العين. فشرعت فيه على شيخ هناك. فلم تمض لي شهور حتى حفظته، ثم حفظت كتابا في النحو. ولذّ لي العلم، فلم تمض إلا مدة قليلة حتى صرت ممن يشار إليه. فاشتقت إلى أهلي بعد أن أنفقت جميع ما كان معي، فخرجت إليهم واجتمعت بوالدي، فسألني عن الحال، فأخبرته بقصتي، فلم ينكره عليّ بل سرّه، وقال: يا ولدي، هذه نعمة من الله في حقك حيث ألهمك بالعلم. وأمدني بشيء آخر من المال، ورجعت إلى المدينة، وطلبت المشايخ حتى بلغت إلى ما ترون.

وكان يقول: المتأدب أحوج إلى تأديب نفسه وخلقه منه إلى تأديب لسانه.

وكذلك: إنك تجد في العامة الذين لم ينظروا في شيء من الأدب من هو حسن اللقاء، جميل المعاملة، حلو الشمائل، مكرم لجليسه، وتجد في ذوي الأدب من أفنى دهره في القراءة والنظر، وهو مع ذلك قبيح اللقاء سيء المعاملة، جافي الشمائل، غليظ الطبع. والأدب نوعان: أدب خبرة، وأدب عشرة، قال الشاعر:

يا سائلي عن أدب الخبره ... أحسن منه أدب العشره

كم من فتى تكثر آدابه ... أخلاقه من علمه صفره

[[٦٥٤] عبد الله بن سليمان بن يخلف الصقلي]

أبو القاسم الكلبي أحد الأدباء المجيدين، والشعراء المعدودين: وله تأليفات وكتب مصنفات في الرد على العلماء.

فمن مختار شعره قوله:

نعيمي أحلى بتلك الديار ... رواحي إلى لذة وابتكاري

فليت ليالي الصدود الطوال ... فداء ليالي الوصال القصار


[٦٥٤]- هذه الترجمة من المختصر، وانظر الوافي ١٧: ٢٠٢ والفوات ٢: ١٧٦ وأصل هذه الترجمة في المنتخل من الدرة الحظيرة لابن القطاع.

<<  <  ج: ص:  >  >>