للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبطليوس مدينة في جزيرة الأندلس: إمام في علم العربية، محقق في فنون الأدب، متقدم على أهل عصره في بلاده. مات سنة إحدى وعشرين وخمسمائة. من شعره:

أخو العلم حيّ خالد بعد موته ... وأوصاله تحت التراب رميم

وذو الجهل ميت وهو ماش على الثرى ... يظنّ من الأحياء وهو عديم

وكان بقرطبة «١» مقيما في أيام ابن الحاج صاحب قرطبة، وكان لابن الحاج بنون ثلاثة، يسمّى أحدهم عزون، والثاني رحمون، والثالث حسنون. وكانوا صغارا في حدّ الحلم، وكانوا من أجمل الناس صورة، وكانوا يقرأون القرآن على المقرىء، ويختلفون إليه في الجامع. وكان أبو محمد البطليوسي قد أولع بهم، ولم تمكنه صحبتهم إذ كان من غير صنفهم وشكلهم. وكان يجلس في الجامع تحت شجرة كانت في وسط الجامع، بكتاب يقرأ فيه يتحيّن وقت دخولهم وخروجهم من الجامع، ولم يكن له حظ منهم غير ذلك، فقال فيهم:

أخفيت سقمي حتى كاد يخفيني ... وهمت في حبّ عزون فعزّوني

ثم ارحموني برحمون فإن ظمئت ... نفسي إلى ريق حسنون فحسوني

ثم خاف على نفسه بسبب أبيهم، ففرّ من قرطبة، وخرج من حينه إلى بلنسية، فأقرأ بها، وألف تواليفه إلى أن مات.

وحكي عنه أنه قال: كان سبب طلبتي للعلم أن والدي كان رجلا من أهل القرى، وكان له ثروة، فسلّم إليّ مالا لأدخل به إلى الحاضرة للتجارة، فدخلت إلى [قرطبة] فاتفق أني اجتزت في السوق فوجدت حلقة تباع فيها الكتب، فوقفت عليها، واستحسنت الكتب، وشريت منها بمقدار مائتي دينار للتجارة، فلما خلوت بها جعلت أفتقدها وأقول: هذا جيد لا ينبغي أن يباع، وهذا جيد إلى أن اخترت


- ٣: ٩٦ وسير الذهبي ١٩: ٥٣٢ والوافي ١٧: ٥٩٨ (عبد الله بن محمد بن السيد) ومرآة الجنان ٣: ٢٢٨ والبداية والنهاية ١٢: ١٩٨ والديباج المذهب ١: ٤٤١ وبغية الوعاة ٢: ٥٥ والشذرات ٤: ٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>