للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورجل معوود من مرضه. وكل ذلك شاذ في القياس والاستعمال. فلا يسوغ القياس عليه ولا رد غيره إليه. "ولا يحسن أيضًا استعماله فيما استعملته فيه إلا على وجه الحكاية "١.

واعلم أن الشيء إذا اطرد في الاستعمال وشذ عن القياس فلا بد من اتباع السمع الوارد به فيه نفسه لكنه لا يتخذ أصلًا يقاس عليه غيره. ألا ترى أنك إذا سمعت: استحوذ واستصوب أديتهما بحالهما ولم تتجاوز ما ورد به السمع فيهما إلى غيرهما. ألا تراك لا تقول في استقام: استقوم ولا في استساغ: استسوغ ولا في استباع: استبيع ولا في أعاد: أعود لو لم تسمع شيئًا من ذلك قياسًا على قولهم: أخوص الرمث. فإن كان الشيء شاذًا في السماع مطردًا في القياس تحاميت ما تحامت العرب من ذلك وجريت في نظيره على الواجب في أمثاله. من ذلك امتناعك من: وذر وودع لأنهم لم يقولوهما ولا غرو "عليك"٢ أن تستعمل نظيرهما نحو: وزن ووعد لو لم تسمعهما. فأما قول أبي الأسود:

ليت شعري عن خليلي ما الذي ... غاله في الحب حتى ودعه

فشاذ. وكذلك قراءة بعضهم {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} . فأما قولهم: ودع الشيء يدع -إذا سكن- فاتدع، فمسموع متبه، وعيه أنشد بيت الفرزدق:

وعض زمان يابن مروان لم يدع ... من المال إلا مسحت أو مجلف٣

فمعنى "لم يدع " -بكسر الدال- أي لم يتدع ولم يثبت والجملة بعد "زمان " في موضع جر لكونها صفة له والعائد منها إليه محذوف للعلم بموضعه وتقديره: لم يدع فيه


١ ما بين القوسين زيادة من ج.
٢ زيادة من أ.
٣ انظر الخزانة ص٣٤٩ ج٢، والرواية التي أوردها ابن جني هنا رواها أبو عبيدة، ورواها ابن الأنباري في شرح المفضليات في قصيدة سويد بن أبي كاهل اليشكري. انظر الشرح ٣٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>