للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

باب في نقض العادة ١:

المعتاد المألوف في اللغة أنه إذا كان فعل غير متعدٍّ كان أفعل متعديًا؛ لأن هذه الهمزة كثيرًا٢ ما تجيء للتعدية. وذلك نحو: قام زيد وأقمت زيدًا, وقعد بكر وأقعدت بكرًا. فإن كان فعل متعديًا إلى مفعول واحد فنقلته بالهمزة صار متعديًا إلى اثنين, نحو: طعم زيد خبزًا وأطعمته خبزًا, وعطا بكر درهمًا وأعطيته درهمًا.

فأمَّا كسى زيد ثوبًا وكسوته ثوبًا, فإنه وإن لم ينقل بالهمزة فإنه نقل بالمثال٣، ألا تراه نقل من فعل إلى فعل. وإنما جاز نقله بفعَل لمَّا كان فعل وأفعل كثيرًا ما يعتقبان٤ على المعنى الواحد, نحو: جدَّ في الأمر وأجدَّ, وصددته عن كذا وأصددته, وقصر عن الشيء وأقصر, وسحته الله وأسحته, ونحو ذلك. فلما كان فعل وأفعل على ما ذكرنا: من الاعتقاب والتعاوض ونقل بأفعل, نقل أيضًا فَعِل بفَعَل, نحو: كسى وكسوته، وشترِت٥ عينه وشترها٥، وعارت٦ وعرتها٦, ونحو ذلك.


١ ترجم لهذا الباب السيوطي في "الأشباه والنظائر" ١/ ٣٣٨ هكذا: "وورد الشي على خلاف العادة".
٢ كذا في ش. وفي د، هـ: "أكثر", وفي الأشباه: "كثر".
٣ أي: بالوزن والبناء، فوزن فعل -بكسر العين- لازم في هذه الأمثلة، فإذا نقل إلى فعل -بفتح العين- صار متعديًا. وقد ذكر هذا الوجه من وسائل التعدية صاحب "المغني" في آخر الباب الرابع، وعبر عنه بتحويل حركة العين، ونسب القول به للكوفيين، ثم قال: "وهذا عندنا من باب المطاوعة؛ يقال: شرته فشتر، كما يقال: ثرمة فثرم. ومنه كسوته الثوب فكسيه". وقد قدم في الفصل السابق على هذا أن المطاوعة تنقص المطاوع -بكسر الواو- عن المطاوع -بفتح الواو- درجة في التعدية؛ كما تقول: ألبسته الثوب فلبسه، وكسرت الإناء فانكسر.
٤ في د، هـ، ز: "يعقبان".
٥ أي: انقلب جفنها، وشرها: قلب جفها.
٦ الضمير للعين، أي: أصابها العور. و"عرتها" أي: أصبتها بالعور. وفي د، هـ، ز، والأشباه: "غارت وغرتها". والذي في اللسان: "وأغار عينه وغارت تغور غورًا وغثورًا، وغوّرت: دخلت في الرأس" وترى أنه لم يجيء فيه غارٍ عينه دون همز.

<<  <  ج: ص:  >  >>